إبراهيم أبو طالب وشعرية الوطن الجريح مقاربة نقدية في ديوان وطني يا جرحًا يؤلمني

إبراهيم أبو طالب وشعرية الوطن الجريح مقاربة نقدية في ديوان “وطني يا جرحًا يؤلمني”

إبراهيم أبو طالب وشعرية الوطن الجريح مقاربة نقدية في ديوان “وطني يا جرحًا يؤلمني

د. عبده منصور المحمودي

   في ديوان الشاعر والناقد الأكاديمي الدكتور إبراهيم أبو طالب “وطني يا جُرحًا يؤلمني”(1)، يتجلى الاشتغال الشعري ــ بتكثيفٍ ملحوظ ــ على بُنية “الوطن الجريح”. وتتجلّى ــ من خلال هذا الاشتغال ــ الإحالةُ على امتداد الجرح الوطني إلى الذات الشاعرة، ومن ثم إلى القصيدة. كما تتجلّى فيه الإحالةُ على الصراعِ، ودوره الفاعل في مأساة الوطن. مع مكاشفةٍ هادفةٍ إلى إلقاء الضوء، على المفارقة بين نقيضين: سعادة اليمن في التدوين التاريخي، وشقائه في واقعه الحديث.

[1ــ1]: الجرح في قلب القصيدة: جرح العتبات الموازية

   تضمّنت عتبة العنوان ــ “وطني يا جرحًا يؤلمني” ــ علاقة التماهي بين الوطن الجريح والذات الشاعرة، في سياقٍ من الاتحاد الشعوري بينهما، حدّ أن تتخلّق حالُ الوطن المثخن بالجروحِ جُرحًا بالغَ الأثر المؤلم في الذات الشاعرة. التي انطلقت من عتبة “الإهداء”، في التعاطي مع ماهية هذه العلاقة(2):

“إلى اليمن الذي يسكننا

                               وفي الروح صداه”.

    أضاءت هذه العتبة الموازية نسق التماهي بين طرفي العلاقة (الوطن/ الذات الشاعرة). كما تضمّنت تفسيرًا لماهية هذه العلاقة؛ إذ تُمثّلُ صيرورةُ الوطنِ جُرحًا في الذات المتماهية تجسيدًا لاستقراره فيها، ضمن استقراره العام في الوجدان الجمعي. ذاك الوجدان، الذي تضمّنته دلالةُ الجمع في الضمير (نا الفاعلين/ يسكُننا)، المُتصل بصيغة المضارعة، المحيلة على ديمومة هذه العلاقة تماهيًا واستقرارًا.

[1ــ2]: انسياب العتبات الموازية في المتن

  من هاتين العتبتين، دلفت الملكة الشعرية إلى المتن، مُسْتَهِلَّةً العمل على بُنية “الوطن الجريح”، من النص الأول “المحبة مهنتي”(3):

وطني وجرحكَ نازفٌ متألم *** من كل روحٍ قد سكبتَ شجاكا

    ففي هذا البيت تجانسٌ بين مضمونه وبين مضمون العتبتين السالفتين: (العنوان/ الإهداء). تجانسٌ في مُعطى (التماهي)، الذي قام على آصرة العلاقة بين طرفيه: (الإنسان الشاعر/ الوطن). مع إيغالٍ سابرٍ لهذا التماهي من جهته البشرية، التي اتّسعت من الذات الشاعرة، لتشمل الذات الجمعية، فتنسكب من أرواحها المُتْرَعةِ بمعاني الوطن جراحاتُه النازفة.

 ثم يتجلى التماهي الوطني الجمعي سياقًا شعريًّا فاعلًا في خلق التكامل بين طرفيه، في قول الشاعر(4):

وطنٌ غارقٌ وقلبٌ كليم *** ولنا خالقٌ يُسمى الرحيم

    جمع السياق الشعري في الشطر الأول قُطبي التماهي: (الوطن الغارق/ القلب الكليم). ثم أحال إحالةً ضمنيةً على ارتباط كلٍّ منهما بالآخر، ترابُطًا يتكاملان من خلاله؛ فمن صفة المعطى الأول “الغارق” تتخلق صفة المعطى الثاني “الكليم”.

   وفي ذلك، إحالةٌ على ما تفضي إليه حالُ الوطن الغارق في مآسيه، من جروح غائرة في العاطفة الجمعية، التي اضطلع بالدلالة عليها “القلب”، بصيغته المفردة وهي تستوعب عاطفة الذات الشاعرة. كما تستوعب ــ في الآن نفسه ــ العاطفة الجمعية. تلك العاطفة، التي تضمّن الدلالة عليها ــ في الشطر الثاني ــ ضميرُ الجمع المتصل (نا الفاعلين)، من شبه الجملة “ولنا…”.

[1ــ3]: حيوية التشبيك متنًا وعتبات

  يتجلّى ــ في شعرية الاتساق، الممتد في نسوج العتبات الموازية إلى المتن الشعري ــ نوعٌ من التشابك الحيوي بين هاتين المساحتين الشعريتين: (العتبات الموازية/ المتن الشعري). وتظهر حيوية هذا الاتساق ــ بصورة جلية ــ في النص “وطني يا جُرحًا يؤلمني”. بدءًا من عنوانه، الذي يُمَثل عتبةً أولى للعمل كله. ثم في ارتباط عنوان النص بمتنه الشعري ارتباطًا نسيجيًّا؛ إذ تموضع في مُستهلِّ النصٍّ أوّلَ سطرٍ شعريٍّ فيه(5):

“وطني يا جرحًا يؤلمني

في القلب صداه.

يا قرة عيني يا (يمني)

يَا وَجعاه

يا حلمًا في عين الزمن

نسمو بعلاه”.

  وبذلك، شكّلت هذه الجملة الشعرية ــ “وطني يا جرحًا يؤلمني” ــ نسقًا من امتداد السياق الدلالي المُتَدَرِّج، من العتبات الموازية، إلى البُنى الداخلية في المتن الشعري. وبذلك، جمعت هذه الجملة، بين ثلاثة مستويات محورية في بُنية الديوان، فكانت: (عتبة خارجية/ وعتبة داخلية/ وأول سطر في المتن الشعري ــ وفي النص الذي كانت عنوانه).

   ومن هذه الجملة الممتدة، تنامت الشعرية في ملامستها لبُنية العمل المحورية “الوطن الجريح”. وملامسة تداعيات هذه البُنية، في العاطفة الشعرية. بعد الانتقال بمفهوم (الوطن)، من دلالته الجغرافية والمادية إلى الطبيعة الإنسانية. التي اكتسب فيها حاسة سمعية، يسّرت على السياق الشعري التواصل معه، فتوالت صيغ نداء الوطن: معنىً، ووجعًا، وحلمًا: (يا وطني/ يا قرة عيني/ يا يَمني/ يَا وجَعاه/ يا حلمًا).

[1ــ4]: تماهي الذات والوطن

  في سياق تماهي الذات الشاعر مع الوطن، ينمو توظيف هذه العلاقة، بما يعمل على تقليص المسافة بينهما، وصولًا إلى الاستغناء عن (ياء) النداء(6):

“أمي، أحزانك ــ غاليتي ــ

قهرٌ وجراح

أبناؤك طعنوا خاصرتي”.

   وتظهر في عملية تقليص المسافة بين طرفي النداء، القصديةُ الماكنة في اختيار هوية المُنادَى (الأم)، التي اتّسقت مع إجرائية التقليص وآليته. ثم تأتي مركزيةُ الاشتغال الشعري على مأساة الوطن، من خلال إحدى تجلياتها المتمثلة في أحزانه، المستقرة في العاطفة الشعرية جُرحًا مُمتدًا إلى العاطفة الجمعية، في قول الشاعر(7):

وهذا الجرح يؤلمنا ***  فكم أضنى وكم أدمى

وكم غالته غائلةٌ ***  ولمّا تنجلي لمّا

  وقد ورد “الوطن” ــ مقترنًا بصفته جريحًا ــ في مواضع عدة. سواءٌ في تناسل جُرحه جراحاتٍ، في الوجدان الجمعي العام(8):

“جراحات هذا الشعب”.

 أو في تمحوره جُرحًا وطنيًّا داميًا، في قلب (الوطن/ البلاد) المُثقلة بمآسيها(9):

“يكفي جراح بلادنا

وبها المآسي مثقلة”.

   أو في سياق الحثِّ على استنهاض النخوة والتحرر، من الجرح الدامي في قلب (البلاد/ الوطن)(10):

ولتشعلي نخوة الأحرار واغتسلي ***  فالدم في قلبك المجروح ينهمل

أو في رمزية صنعاء للوطن، وهي مجروحة بجهالات الزمن(11):

قد جرّحتها جهالاتٌ مشوهة *** أصابها طمع الباغين والخَولُ

[2ــ1]: الصراعُ تَمَزُّقٌ نازف: منظومة الأسى

  لم تقف محورية الاشتغال الشعري على بُنية “الوطن الجريح”، عند صورٍ من أحواله الجريحة. بل امتدت لتضيء المدى الفاعل في الوصول بالوطن إلى أحواله البائسة. ذاك المدى، الذي يتشكّلُ من سياقات الصراع، على مختلف أبعادها وغاياتها(12):

        شعبي يموت وقد قامت قيامته *** وكل ما حوله بالبؤس يشتعل

والفتنة التهمت أحلام فتيتنا *** واستعبدتهم، فما فاقوا وما عقلوا

  فكل معطيات الصراع، وأبعاده، ومبررات أطرافه، تُشَكِّلُ منظومةَ فِتنةٍ، تفضي إلى تناسل المأساة الوطنية. وإلى ما يترتب عليها، من مظاهر بؤسٍ وفقرٍ ومعاناة. كما تفضي إلى تمزقٍ في النسيج المجتمعي، وما يحيل عليه هذا التمزق من تداعيات دامية، كثّف العمل من استيعابها، في المادة اللغوية “نزف”، بصورٍ اشتقاقيةٍ، اتسقت مع كل سياق شعري وردت فيه: فالبلاد تهوي في مدى الضيق والشر(13):

“هنالك حيث المدى نازف”.

 والجغرافيا اليمنية مثخنة بالصراعات، نازفة الأسى. من مثل ما هي عليه الحال، في “تعز”، و”صعدة”:

ــ “(تعز) تنزف قهرها برصاص صناع المحن”(14).

ــ “رمان (صعدة) نازفٌ”(15).

[2ــ2]: رتابة المأساة والوجع

   ومن تعاطي العمل مع المدى الفاعل في جروح الوطن، تتجلّى مأساوية الصراع موتًا مُتجَدِّدًا برتابة يومية. وتسفر هذه الحال من التعايش مع رتابة المأساة، عن تشابُهِ الاعتيادِ عليها(16):

في كل يوم ألف نو *** عٍ للممات وللحداد

والأشد خطورة من الاعتياد على يوميات الموت، أن يصل التعايش معه إلى مستوى من الألفة، المقترنة بمظاهر من السلبية، في العلاقات الاجتماعية، غير المكترثة بمحظورات الإنسان دمًا وعرضًا(17):

والقتل أصبح مألوفًا فلست ترى *** إلّا الدماء، وعرض الناسِ مُبتذلُ

وعلى ما في هذا الاشتغال الشعري على بُنية “الوطن الجريح” من تشخيصٍ لحقيقة المأساة ومسارات الزمن القاتمة، إلّا أنه ــ على ذلك ــ قد ترك نافذة الأمل مشرعةً في تجليات شعرية متعددة. من مثل هذا التجلي المضيء بالأمل، الذي سوف تطل عليه (البلاد/ الوطن)(18):

غدًا ستقول للباغي *** مكانك أرضنا أحمى

ستقطع دابر الفوضى *** وتوصل غابر الرحمى

وترجع بسمةُ الطفل *** وتسلو أمه الكلمى

وتجلو الكربة الكرباء *** تغدو حربنا سِلْما

[3]: “السعيدة” المفرغة من السعادة

  يظهر في هذا العمل نوعٌ من المكاشفة التفكيكية، لنسق من أنساق الزهو المتوارث. ذلك، في تشريح التسمية التاريخية، التي أُطلقت على اليمن، في أقدم العصور “اليمن السعيد”. وتنطلق هذه المكاشفة من الموازنة ــ الضمنية تارة والصريحة تارة أخرى ــ بين حالين متناقضتين. الأولى حال اليمن الواقعية المزرية، والثانية الحال التي تحملها الدلالة اللغوية والتاريخية في هذه التسمية(19):

وندعوها (السعيدة) وهو قولٌ! *** فما سعدت ولا كانت (سعادُ)

  وتصل هذه المكاشفة إلى حقيقة التناقض بين دلالة التسمية وأحوال المسمى، الذي لم يجد أبناؤه فيه أي معنى من معاني السعادة(20):

                    لم يلق أي سعادةٍ *** و”سعيدةٌ” أيقونته

  فلا تخرج هذه التسمية، عن كونها أيقونة مُفرغة من معانيها السعيدة، التي لم يظهر أي ملمحٍ يبرهن عليها في الحاضر المعيش(21):

يمانيون لم نر يوم سعد *** وما طاب المقام ولا المزادُ

وصولًا إلى أوضح صورة، لهذا التباين بين السعادة دلالةً لغوية وتاريخية في الاسم، وبين التعاسة الواقعية، التي يرزح تحت وطأتها المُسَمّى(22):

ولا شيء في اليمن السعيـ *** دِ سوى المآسي والعوادي

[4ــ1]: تقنيات الكتابة الشعرية: الرمز الشعري

     استأنس الديوان، بما استدعتْه الحاجةُ إليه من تقنيات الكتابة الشعرية، لا سيما في استئناسه بتقنية الرمز التي غلبت عليها الرمزية التاريخية. في استثمارِ رمزيةِ الشخصيات اليمنية القديمة. كالملكة “بلقيس”، و”عمرو بن مزيقا”(23):

“وبلقيس” تهدي لـ “عمروٍ” أساورها

كي يدافع عنها”.

   يستحضر هذان السطران الشعريان ــ من التاريخ اليمني القديم ــ شخصيتين غير متجانستين، فيما وصل من تاريخهما، واحتفظت به المدونات والدراسات التاريخية؛ إذ تظهر فيهما الملكة “بلقيس” ــ ذات التاريخ الحضاري الذي اتسم به حكمها لليمن ــ على النقيض من هذه الصورة؛ فهي عاجزة عن حماية نفسها. تُهدي أساورها إلى “عمر بن مزيقا”، كي يحميها من غدر الزمن، واضعةً أملها في شخصيته الأكثر انهزامية؛ ففي عهده تمزق الوطن، بعدما لم يستطع المحافظة عليه.

   ومن خلال هذه المفارقة ــ في التوظيف الرمزي لهاتين الشخصيتين غير المتجانستين ــ يتبلور التجسيد الشعري لمفارقاتٍ وطنية معاصرة. يتصدر الفشلُ فيها واجهةَ المسؤولية، بأطرافه وعوامله ومساراته المتباينة.

    وفي سياق مختلف عن هذا السياق، يأتي توظيف شخصية الملك اليمني “شمر يهرعش”. الذي احتفظت المدونات التاريخية بصور من إنجازاته، لا سيما توحيده لليمن إبان حكمه. كما أنه حامي مدينة “رداع”، التي استوعبت هي الأخرى الرمزية إلى الوطن كله(24):

“و(رداع) عزتنا “الحسينة” والحصينة

(شمر يهرعش) كان في أرجائها يحمي اليمن”.

  ومثل ذلك، هذا التوظيف الرمزي لشخصية “سيف بن ذي يزن”. الذي اتّسم بالتعالي على الأسى، والتماس إشراقات الماضي زهوًا وفخرًا(25):

يا بنت ذي يزن يا فخر مفتخرٍ *** هيا أفيقي، ويكفي كل ما فعلوا

أو الإحالة الرمزية إلى “شبوة”، مكانًا لانطلاق الشخصية التاريخية “المثنى”(26):

“من (شبوة) انطلق (المثنى)، والمهند، والنقاء”.

[4ــ2]: تقنيّة التناص

     من تجليّات التناص في هذا العمل، ما ورد فيه من تناصٍّ مع قُطبي الشعر اليمني المعاصر، الشاعرين: “عبد الله البردوني”، و”عبد العزيز المقالح”. من ذلك، ما في النص “غيبوبة”، من تناصٍّ مع قصيدة البردوني “أبو تمام وعروبة اليوم”(27)

تموت كجدها لغزًا *** بصندوق الهوى ظلما

..

(فهل تدرين يا صنعاء؟) *** قال رئيها الأسمى

وما عميت بصيرته *** ولكن غيره الأعمى

..

مليحتنا وإن تعبت *** ستجعل قهرها سُمّا

   ومن تجليات “التناص” مع معالم من تجربة الشاعر عبد العزيز المقالح، وبوجهٍ خاص ما يتعلق منها برمزيةِ سيرة “سيف بن ذي يزن”، ورمزية “الجدار”، قول الشاعر(28):

لا (مصطفى) جاء ولا *** (سيف) تعالت نخوته

“ويظل يحفر في الجدا *** ر” على المدار عقوبته

  تميز منحى “التناص” هنا بنوعٍ من المغايرة؛ فقد كان توظيف تجربة المقالح لشخصية “سيف بن ذي يزن”، في استيعاب عددٍ من الرؤى والمعاني المرادة. منها ما يتضمن التعويل على نخوته، في تجاوز اللحظة الانهزامية. كما كان توظيف هذه التجربة ــ تجربة المقالح ــ لـ “الجدار” رمزًا إلى العوائق الحائلة دون الوصول بالوطن إلى غايته المشرقة. مع تضمين تلك الرمزية تحفيزًا، يُعلي من الصمود واستمرار الفعل “حفرًا في الجدار”؛ حتى الانتصار، أو الموت بعزة وكرامة.

  ومن خلال الموازنة بين سياق الرمزية في تجربة المقالح، وسياق الرمزية في هذين البيتين، تتضح المغايرة، التي تحيل على ما فيهما من رمزيةٍ مؤسَّسَةٍ على أرضية اللحظة الواقعية المعاصرة. تلك الأرضية الفاعلة في غياب نخوة “سيف” من جهة، والفاعلة ــ من جهة أخرى ــ في التحوير الذي طرأ على الصمود، الذي تحيل عليه رمزية الاستمرار في “حفر الجدار”، وصيرورة الرمزية فيه إحالةً على ديمومة العقوبة “السيزيفية”. وقد أضفى التناص ــ بهذه المغايرة الذكية ــ على البُعد الرمزي اتساقًا وتجانُسًا مع ما تراكم من ديمومةِ الألم، في استمرارية التشبُّث بالأمل أجيالًا متعاقبة، من دون إنجاز ملموس.

[5]: وبذلك

   فقد كانت بُنية “الوطن الجريح”، أهم البُنى الشعرية في هذا الديوان، وقد تبلور مُجْملُ الاشتغال عليها في ثلاثة أبعاد: الأول اشتغالٌ على تماهي الذات (ذات الشاعر/ والذات الجمعية) في حال الوطن المجروح، حدّ صيرورة الوطن كله جُرحًا داميًا فيها. والثاني اشتغالٌ على مرجعيات الجرح والمتغيرات الفاعلة فيها، التي تنطوي ــ على اختلافها ــ في سياقات صراع محتدم. والثالث بُعْدُ المكاشفة التفكيكية لهيمنةِ تسميةٍ متقادمة، غير متّسقة مع المُسمى في واقعه الراهن.

  وعملت الملكة الشعرية ــ في هذا الديوان ــ على التعاطي مع تداعيات هذه الأبعاد الثلاثة في الذات الشاعرة تعاطيًا إبداعيًّا، فاستأنست بتقنياتٍ شعرية مختلفة، منها الصورة والرمز والتناص. فقد عملت من ــ خلال توظيف هذه التقنيات ــ على إعادة تشكيل أبعاد المعاناة والألم الوطني، في صورٍ من التجليات الشعرية، التي لاحت مُشِعّةً بماهية بُنية “الوطن الجريح”. ومنسوجةً بخيوطها الواقعية، وآثارها الشعورية في الصياغة الشعرية من جهة، وفي الذات الوطنية الجمعية من جهة أخرى.    


  1. الديوان صدر ضمن الأعمال الشعرية للشاعر، التي صدرت في مجلد عن دار عناوين بوكس، القاهرة، 2023. وضم المجلد دواوين الشاعر: “ملهمتي والحروف الأولى”، و”وردة من مقام الصبا”، و”أنشودة للبكاء”، و”تنويعات مسافرة”، و”حين يهبُّ نسيمها”، و”من دفتر العمر”، و”وطني يا جُرْحًا يؤلمني”. ↩︎
  2. نفسه، ص367.      ↩︎
  3. نفسه، ص369. ↩︎
  4. نفسه، ص379. ↩︎
  5. نفسه، ص370. ↩︎
  6. نفسه.       ↩︎
  7. نفسه، ص389،388. ↩︎
  8. نفسه، ص428. ↩︎
  9. نفسه، ص416. ↩︎
  10. نفسه، ص423. ↩︎
  11. نفسه، ص426. ↩︎
  12. نفسه، ص421. ↩︎
  13. نفسه، ص376. ↩︎
  14. نفسه، ص380. ↩︎
  15. نفسه، ص383. ↩︎
  16. نفسه، ص419. ↩︎
  17. نفسه، ص427. ↩︎
  18. نفسه، ص390. ↩︎
  19. نفسه، ص377. ↩︎
  20. نفسه، ص429. ↩︎
  21. نفسه، ص377. ↩︎
  22. نفسه، ص419. ↩︎
  23. نفسه، ص376. ↩︎
  24. نفسه، ص384. ↩︎
  25. نفسه، ص423.      ↩︎
  26. نفسه، ص385. ↩︎
  27. نفسه، ص390،389. ↩︎
  28. نفسه، ص430. ↩︎

فكرتين عن“إبراهيم أبو طالب وشعرية الوطن الجريح مقاربة نقدية في ديوان “وطني يا جرحًا يؤلمني””

  1. د المحموديمثير للإعجاب بنشاطة النق\ي الدؤوب، يذكرني بمسيرة الكبار إذ أن الهرم لم يوجد كتلة واحدة بل بناء لسنوات شكرا لك والشكر للدكتور أبو طالب قدوة أكاديمية مشرفة ومبدع متجدد ومتنوع
    وهنا الجمال إذ يلتقي نور على نور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *