ألفاظ هندية في المحكية اليمنية

ألفاظ هندية في المحكية اليمنية

ألفاظ هندية في المحكية اليمنية

د. عبده منصور المحمودي

تزخر المحكية اليمنية، بكثيرٍ من الألفاظ، التي وفدت إليها من لغات إنسانية مختلفة. من مثل ما تزخر به من الألفاظ التي تنتمي إلى اللغة الهندية. وقد قدم الدكتور عباس السوسوة ــ في القسم الثالث من كتابه “دراسات في المحكية اليمنية” ــ دراسة تأصيلية مقارنة لهذه الألفاظ،. كما اتخذ في دراسته التأصيلية المقارنة ــ هذه ــ مسارين اثنين، تمثّل الأول في دراسة هذه الألفاظ، في نطاق أسرة اللغات الهندية الأوروبية. أمّا الثاني، فتمثّل في نطاق الفرع الهندي من هذه الأسرة اللغوية. وهو الغالب؛ لأن بحثه مختصٌ بالألفاظ الهندية المقترضة في المحكية اليمنية.

[1]: في نطاق الفرع الهندي

من الألفاظ التي درس السوسوة دلالتها دراسة لغوية مقارنة ــ في نطاق الفرع الهندي من أسرة اللغات الهندية الأوروبية ــ الألفاظ: تنبل، وكشرة، ودقة.

[1ــ1]: تنبل

يتحدث السوسوة، عن وجود هذا اللفظ في الهندية وفي السنسكريتية، فيقول: “تنبل: في الهندية [tambu:l] وكذلك في السنسكريتية (ص443) مجموعة أوراق مخصوصة، تدهن بمسحوق أبيض وببعض البهارات العطرية والحلوى …”(1).

والسوسوة ــ هنا ــ لم يحدد اللغة الأولى، التي يعود إليها اللفظ. لكن لوجوده في اللغتين، وواحدة منهما أقدم من الأخرى، فإنه يعود إلى اللغة الأقدم، التي هي ــ هنا ــ اللغة السنسكريتية.

[1ــ2]: كشرَة

يشير السوسوة إلى وجود هذا اللفظ في كلتا اللغتين: الهندية، والسنسكريتية. وبذلك، فهو كسابقه، يعود أصله إلى اللغة السنسكريتية من هذه الفصيلة اللغوية؛ يقول:

“كشرَة: مخلفات، زبالة. وفي الهندية /KaĈra/ بالمعنى نفسه وفي السنسكريتية (ص242) بمعنى: وسخ وموسَّخ”(2).

[1ــ3]ك دقة

يقول السوسوة في دراسته اللغوية المقارنة لهذا اللفظ (دقة)، في نطاق الفرع الهندي، من أسرة اللغات الهندية الأوروبية:

“دُقّة: [duqqah]، [duggah] عقد تلبسه المرأة من حبوب كهرمان أو مرجان أو فضة تتوسطه عملة ذهبية. وهو في البنغالية /takka/: حلية ذهبية مستديرة تتوسط العقد الذي تلبسه المرأة، من السنسكريتية (ص429) /tanka/= عملة فضية خاصة”(3).

والمُلاحَظ أنه ــ مع هذا اللفظ ــ لم يقل “في الهندية”. وإنما حدد “اللغة البنغالية”، من الفرع الهندي، للخصوصية الدلالية المتعلقة بهذا اللفظ في هذه اللغة. لذلك؛ حدد اللغة البنغالية من الفرع الهندي. وقد أشار في الهامش الأول، من الصفحة الرابعة والخمسين بعد المئة، في هذا الكتاب، إلى أنه يقصد بالهندية لغات الفصيلة الهندية، وأنه سيذكر ما يتعلق من خصوصية بإحداها:

“المقصود بالهندية هنا في البحث لغات الفصيلة الهندية: الهندوستانية والبيهارية والأردية والراجشتانية والسندية والبنغالية والبنجابية… وإذا كان هناك خصوصية متعلقة بإحداها فسنذكر ذلك”(4).

[2]: في نطاق أسرة اللغات الهندية الأوروبية

في نطاق أسرة اللغات الهندية الأوروبية، درس الدكتور عباس السوسوة دلالات عددٍ من الألفاظ، دراسة لغوية مقارنة، من مثل الألفاظ: شنجل، وبنّد، وفوطة.

[2ــ1]: شَنجَل

تناول السوسوة هذا اللفظ، في نطاق أسرة اللغات الهندية الأوروبية، فذكر وجوده في اللغة الأوردية، من الفرع الهندي. وفي الفارسية، من الفرع الإيراني. وكذلك  في اللغة السنسكريتية، إذ يقول:

“شَنجَل: /òangal/، /òanXal/ الخطاف الذي في طرف حزام أو سير أو حبل. وهو في الأوردية: جَنجال (مذكر). وفي الفارسية (ص247) جنكَل وفي السنسكريتية /òa:kal/”(5).

بمعنى أن هذا اللفظ موجودٌ في اللغات الثلاث. وقد حدد صفحة وجوده في المعجم الفارسي، ولم يفعل ذلك مع المعجم السنسكريتي. على أنه يحدد صفحات وجود الألفاظ في المعجمين السنسكريتي والفارسي. وقد بين في الهامش الأول للصفحة السابعة والخمسين بعد المئة، أن رقم الصفحة الآتي بعد الفارسية من المعجم الفارسي، والآتي بعد السنسكريتية من المعجم السنسكريتي؛ إذ يقول في ذاك الهامش:

“عندما نذكر أرقام الصفحات عن السنسكريتية فهي من معجم منير وليامز عن السنسكريتية. وإذا ذكرت مقرونة بالفارسية فهي من معجم محمد التنوجي”(6).

[2ــ2]: بَنّد

هذا اللفظ في المحكية اليمنية يعني “أغلق، أقفل…”(7)، ويدرسه السوسوة دراسة مقارنة، في إطار أسرة اللغات الهندية الأوروبية، فيقول:

“أما في الهندية العامة غير الأدبية فهي: بَند [band]، على مثال بحر. وتأتي فعلًا وصفة مع بعض اللواحق. فـ(كام بندهي) = العمل متوقف. و(دلي بند)= إن الحركة في دلهي متوقفة، فالسيارات ساكنة والمحلات مغلقة. واللفظ ليس في السنسكريتية، ويبدو أنه من المشترك مع الفارسية”(8).

فبما أن اللفظ غير موجودٍ في السنسكريتية ــ أقدم لغات هذه الأسرة اللغوية ــ فإنه سيكون بلا شك من اللغة، التي وُجِدَ فيها اللفظ، وتكون أقدم لغات الأسرة اللغوية بعد اللغة الأولى. وقد كانت اللغة التي يوجد فيها هذا اللفظ، هي اللغة الفارسية، فأشار السوسوة إلى ذلك. على عكس اللفظ “رَنج”، الذي يوجد في الهندية، والفارسية، والسنسكريتية؛ لذلك رجح السوسوة أن أصله من السنسكريتية، لوجوده في أقدم لغات الأسرة اللغوية، بقوله:

“واللفظ في الهندية يعني اللون مطلقًا، مع معانٍ أخرى. (ص862) وفي الفارسية له ــ إلى جوار اللون والدهان ــ خمسة عشر معنى (ص336). ويبدو أنه من السنسكريتية، ففيها الفعل /ranj/ في حين أن لا فعل من هذه المادة في الفارسية”(9).

[2ــ3]: فوطَة

هذه الكلمة غير موجودةٍ في اللغة الهندية، لكنها موجودة في السنسكريتية؛ لذلك أصلها يعود إلى اللغة السنسكريتية، وإن لم تكن في الهندية؛ على اعتبار أن اللغة الأقدم هي الأصل، وأن المنهج المقارن يعيد اللفظ إلى اللغة الأولى، حينما يكون موجودًا فيها، وإن كان غير موجودٍ في اللغات الأخرى، التي تأتي بعد اللغة الأولى في التراتب الزمني، وهذا المسار هو الذي سار عليه السوسوة في دراسته اللغوية المقارنة لهذا اللفظ:

“لكن الكلمة غير موجودة في الهندية حاليًا. على أن في السنسكريتية كلمة [pu‡a] وهي أقرب للفظ الكلمة العربية. ومعناها (ص631) ثوب يلبس ليغطي العورة. والكلمة في الفارسية (ص449): فوته، معرب فوطة: منديل، مئزر”(10).

وقوله “غير موجودة في الهندية حاليًا”، يحدد عدم وجود اللفظ في الزمن الحالي. وهذا التحديد سياجٌ، يدرأ عنه ما يمكن أن يكون من انتقادٍ، مستندٍ إلى احتمال وجود اللفظ في أزمنةٍ غير الزمن الحالي.

[2ــ4]: راشَن

يقارن السوسوة هذه الكلمة في نطاق الأسرة اللغوية الهندية الأوروبية؛ فهي موجودة في الهندية، وفي اللغة الإنجليزية، التي تعد واحدة من لغات الفرع الجرماني، في أسرة اللغات الهندية الأوروبية، يقول:

“راشَن: التعيين من أنواع الطعام والحبوب لمدة معينة كأن تكون أسبوعيًّا أو شهريًّا، وهو كذلك في الهندية والإنكليزية /ra:šan/. واللفظ من السنسكريتية [ašan] = يأكل، طعام”(11).

[3]: خصائص تأصيل السوسوة للألفاظ الهندية المقترضة في المحكية اليمنية

لقد اقتصرت دراسة السوسوة اللغوية المقارنة، لمجال الدلالة والمعجم، على ألفاظٍ هندية منتمية إلى أسرة اللغات الهندية الأوروبية، في معرض دراسته للألفاظ الهندية في المحكية اليمنية.

[3ــ1]: أصل الألفاظ الهندية في المحكية اليمنية

وقد كان تناوله لهذه الألفاظ مرتكزًا على معرفة الألفاظ الهندية المقترضة في المحكية اليمنية. وإضافة إلى ذلك، تتبُّعُ هذه الألفاظ، ودراستها دراسة لغوية مقارنة، في نطاق أسرتها وفصيلتها اللغويتين؛ لذلك جاءت مقارنته لها عرضًا، في إطار تناوله لوجود هذه الألفاظ في المحكية اليمنية؛ بغية معرفة أصل هذه الألفاظ، فاستخدم إجراءاتٍ منهجية مقارنة لمعرفة ذلك. وهو ما أشار إليه، في مقدمة دراسته للألفاظ الهندية في المحكية اليمنية، بقوله: “كما استخدمنا المنهج المقارن بلمساتٍ خفيفة حتى نبين أصل اللفظ الهندي، سواء كان مشتركًا مع الفارسية، أو كان منحدرًا من السنسكريتية، اللغة المقدسة في الهند”(12).

وقد جاءت دراسته المقارنة في هذا المجال في إطار الفرع الهندي، من الأسرة اللغوية الهندية الأوروبية بصفةٍ رئيسة؛ كون بحثه يتناول الألفاظ الهندية خاصة في المحكية اليمنية. وعرج أيضًا على الفروع الأخرى من هذه الأسرة اللغوية. كالفارسية، من الفرع الإيراني. والإنجليزية، من الفرع الجرماني. وذلك؛ حينما يكون للفظ وجودٌ في الفرع الهندي، وفي لغة أخرى، من لغات فرعٍ آخر من فروع هذه الأسرة اللغوية.

[3ــ2]: الأصول السنسكريتية

وقد أعاد السوسوة أغلب الألفاظ التي درسها، إلى اللغة السنسكريتية؛ وفقًا لما يقتضيه البحث اللغوي المقارن، الذي يعيد اللفظ إلى أقدم لغةٍ وُجد فيها من لغات الأسرة اللغوية، فاللغة السنسكريتية هي اللغة المقدسة عند الهنود، والفرع الهندي “يبدأ تاريخه القديم حوالي سنة 700ق.م، فهو بذلك من أقدم الأفرع اللغوية للأسرة الهندية الأوروبية”(13).

وإضافة إلى ذلك، فقد “كانت السنسكريتية أقدم لغة من لغات العالم تناولها البحث النحوي، فاللغوي الهندي بانيني وضع قواعد السنسكريتية حوالي سنة 400ق.م”(14).

[3ــ3]: الأصول الفارسية

مثلما أعاد السوسوة أغلب الألفاظ إلى السنسكريتية، أعاد ألفاظًا أخرى إلى اللغة الفارسية، حينما لا يكون للفظ وجود في السنسكريتية. ولا يعيد إلى غير الفارسية والسنسكريتية أي لفظٍ من هذه الألفاظ الهندية في المحكية اليمنية، مع اعتماده على أسس وإجراءات منهج الدراسة اللغوية المقارن، إلا أنه حينما يحدد أصل أي لفظٍ لا يجزم بأن أصله هذه اللغة من دون غيرها، فيستخدم التركيب (يبدو أنه من …)، وفي هذا مراعاة لما يمكن أن يسفر عنه بحث القريبين من هذه اللغة وهذه الأسرة اللغوية، فالسوسوة لغته الأم هي العربية من فصيلة اللغات السامية، والأسرة اللغوية الآفروأسيوية؛ لذلك كان هذا التركيب مناسبًا لانتمائه اللغوي، وبُعْده عن الأسرة اللغوية الهندية الأوروبية.


  1. عباس علي السوسوة، “دراسات في المحكية اليمنية”. ط2، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 1428هـ ـ 2007م، ص: (158). ↩︎
  2. نفسه، ص: (159). ↩︎
  3. نفسه، ص: (162). ↩︎
  4. نفسه، ص: (154)، هامش: (1). ↩︎
  5. نفسه، ص: (166،165). ↩︎
  6. نفسه، ص: (157)، هامش (1). وقد وثّق معجم محمد التونجي في قائمة مراجع ومصادر الكتاب، بينما معجم منير وليامز غير واردٍ في هذه القائمة. ↩︎
  7. نفسه، ص: (160). ↩︎
  8. نفسه. ↩︎
  9. نفسه، ص: (163). ↩︎
  10. نفسه، ص: (167). ↩︎
  11. نفسه، ص: (163). ↩︎
  12. نفسه، ص: (151). ↩︎
  13. محمود فهمي حجازي، “مدخل إلى علم اللغة”. دار قباء، القاهرة، 2001م، ص: (184). ↩︎
  14. نفسه. ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *