النقد اللغوي والدراسات اللسانية الحديثة

النقد اللغوي والدراسات اللسانية الحديثة

النقد اللغوي والدراسات اللسانية الحديثة

د. عبده منصور المحمودي

النقد اللغوي في أوضح تعريفاته، هو “القدرة على تلمس مواطن الصحة أو الخطأ أو الجمال والقبح في النص الأدبي. سواءٌ في اللفظة المفردة، أم في التركيب الكلي وفق مواضعات اللغة وسننها”(1).

وقد كان النقد اللغوي عند العرب في بداياته ظاهرة تصويبية لمظاهر اللحن في اللغة. وتفيد بعض الروايات أن أقدم مظاهر اللحن في اللغة، عُرفت عند العرب في العصر الجاهلي؛ فقد “روي أن الشيخ المحترم في العرب كان إذا لحن لم يصوِّبوا كلامه احترامًا له. بل كانوا كثيرًا ما يقلدونه في الخطأ”(2).

وبذلك، فقد بدأت ممارسة النقد اللغوي عند العرب منذ الجاهلية. لا سيما تصويبهم ما يقع فيه الشعراء من أخطاء لغوية. وقد حفظت كتب الأدب العربي مواقف من هذا  التصويب. من ذلك قصة النابغة الذبياني مع أهل المدينة(3). وقصة النابغة الذبياني مع حسان بن ثابت(4). إذ تمثل هاتان القصتان أبرز البدايات للنقد اللغوي عند العرب.

وقد عني علماء اللغة بالتصويب والتصحيح اللغوي منذُ القدم، فألِفت فيه كتبٌ مختلفة، عُرفت بعناوين مختلفة. من مثل: “لحن العامة”، و”إصلاح المنطق”، و”تقويم اللسان”.، و”تثقيف اللسان”، وغيرها من الكتب التي نحت هذا المنحى(5). وتتناول مثل هذه الكتب الأخطاء اللغوية، على اعتبار أن الأخطاء اللغوية عيبٌ من العيوب التي تؤخذ على النص، و”الكشف عن العيوب كان إحدى مهمات النقد الكبرى”(6).

وللدكتور عباس السوسوة، إسهامه في النقد اللغوي، سواء في ما يتعلق منه بالنقد اللغوي، أو التصحيح والتصويب اللغوي للغة التأليف والكتابة عند الباحثين والكتاب.

[1]: نقد النقد اللغوي

نقد النقد اللغوي، حقلٌ يتناول مناقشة الآراء النقدية اللغوية الموجهة إلى لغة الكتابة، والتأليف، واللغة الإبداعية شعرية ونثرية.

وهناك من يرى أن هذا الحقل (مدرسة) ذات معالم واضحة في تاريخ النقد اللغوي عند العرب، فالدكتور منصور عبد الرحمن في كتابه “اتجاهات النقد الأدبي في القرن الخامس”، يُطلِق مصطلح (مدرسة) على إسهامات اللغويين في النقد الأدبي في هذا القرن من الزمان، فيقول إننا في القرن الخامس الهجري: “نجد أن درس اللغة والنحو تتضح له معالم مدرسة جديدة أبرز معالمها الانتفاع بالتحقيق اللغوي والدرس النحوي على نحو ما عرف عند علماء اللغة والنحو، ثم مناقشة اللغويين والنحاة في آرائهم ومذاهبهم من خلال النص الأدبي”(7).

وقد استوقفت الدكتور عباس السوسوة عددٌ من رؤى النقد اللغوي. من مثل نقده لرؤية أن “قاموس الصحاح” مقصورٌ على الألفاظ الصحاح. ورؤية أن البدو يميلون إلى الشدة والحضر إلى اللين. وكذلك نقده لرؤىً من رؤى المجامع اللغوية، ورؤى المصوبين اللغويين.

[1ــ1]: “الصحاح”، هل اقتصر على الصحاح؟

من رؤى النقد اللغوي التي تناولها الدكتور عباس السوسوة بالنقد والتفنيد، ما أسماه بأسطورة “اقتصار معجم الصحاح للجوهري على الصحاح دون غيره من المعاجم العربية القديمة”(8). فيقول إن هذه الأسطورة وهمٌ، ابتدأ من عند الجوهري نفسه، ثم تداولها مِن بعده الباحثون والكتاب:

“إن مصدر هذا الوهم يعود إلى الجوهري نفسه الذي يقول في مقدمة الصحاح: (فإني قد أودعت هذا الكتاب ما صح عندي من هذه اللغة (…) بعد تحصيلها بالعراق رواية وإتقانها دراية، ومشافهتي بها العرب العاربة في ديارهم البادية، ولم آل في ذلك نصحًا ولا ادخرت وسعًا)”(9).

وبعد أن يورد أقوالَ مَنْ يدافعون عن هذه الأسطورة ويتداولونها، يبدأ في تفنيدها، إذ يجد أن “الصحاح” لم يقتصر على الألفاظ الصحاح وحدها، بل جمع معها ألفاظًا عامية ومولدة، وألفاظًا خرجت عن نطاق الفصاحة التي حددها القدماء زمنيًّا ومكانيًّا، وجمع ألفاظًا دخيلة، وفسر ألفاظًا عربية بالفارسية.

ومما أورده من دلائل على خروج “الصحاح”، عن النطاق الزمني للاستشهاد بالشعر الفصيح، استشهاد الجوهري “بشعر الحسين بن مطير الأسدي (ت 170هـ)…”(10).

فاستشهاد الجوهري بشعر هذا الشاعر خروج عن النطاق الزمني للاستشهاد بالشعر الفصيح، الذي حدده علماء اللغة بموت الشاعر ابن هرمة (ت 162هـ)، أي منتصف القرن الهجري الثاني.

أما الخروج عن النطاق المكاني، الذي حدده علماء اللغة، بأن جعلوه “مقصورًا على قبائل بعينها. وهي: تميم، وقيس، وأسد، وهذيل، وبعض طيئ وبعض كنانة”(11)، فمثاله مجيء ألفاظ يمنية في “الصحاح”. منها: “الوثب: بمعنى الجلوس (21)”(12).

ومن الأمثلة التي أوردها لمجيء الألفاظ المولدة في “الصحاح”: اللفظ “(عجج327): العُجّة بالضم، هذا الطعام الذي يتخذ من البيض، أظنه مولدًا”(13).

ومن الألفاظ العامية التي وردت في “الصحاح”:

اللفظ “(زيد482): أفعل ذلك زيادة والعامة تقول زائدة”(14).

أمّا الألفاظ الدخيلة في “معجم الصحاح”، فقد ذكر السوسوة أن الجوهري كان يشير إلى أن هذه الألفاظ معربة حينًا، ولا يشير إلى ذلك أحيانًا أخرى. ومن تلك الألفاظ التي لم يذكر الجوهري أنها معربة، لفظ (الفدان)؛ فهذا اللفظ دخيل ونص على تعريبه الجواليقي، ولم يفعل ذلك الجوهري(15).

ومن الألفاظ العربية التي فسرها الجوهري بألفاظٍ فارسية:

اللفظ “(قضب203) والقضبة والقضب: الرطبة، وهي الاسفست بالفارسية”(16).

وبذلك، فنّدَ أسطورة أن “الصحاح” قد اقتصر على الصحاح. فمن خلال استقرائه للمعجم، أثبت أن فيه غير الصحاح؛ إذ احتوى إلى جانب الصحاح، ألفاظًا متجاوزة للنطاق الزماني والمكاني للاستشهاد بالفصحى، وألفاظًا مولدة وعامية وأعجمية، بل وفسر ألفاظًا عربية بالفارسية.

وهذه الأدلة التي أوردها لتفنيد هذه الأسطورة كافية للقول بأن “معجم الصحاح” لم يكن مقصورًا على الصحاح وحدها، بل تضمن إلى جانبها ألفاظًا غير صحاح.

[1ــ2]: ميل البدو إلى الأصوات الشديدة، والحضر إلى الأصوات الرخوة

من رؤى النقد اللغوي، التي تناولها الدكتور عباس السوسوة بالتفنيد، رؤية الدكتور إبراهيم أنيس: في أن القبائل البدوية تميل إلى الأصوات الشديدة، وأن الحضر يميلون إلى الأصوات الرخوة.

ففي نقد السوسوة لبحث عبد العزيز موافي “نحو نظرية إيقاعية في موسيقى الشعر”، يعلق على هذه الرؤية التي أتى بها الباحث، مثله كمثل غيره من الباحثين الذين يتبعون رؤى المشاهير من دون فحصٍ وتدقيق لهذه الرؤى، فيقول:

“هذا من آراء المرحوم إبراهيم أنيس التي تمسك بها كثيرون منهم عبد العزيز مطر وأحمد علم الدين الجندي. وهذا غير صحيح، ففي الوحدات الصوتية في العربية (سواءٌ على المستوى الفصيح أو المستوى العامي) شديد ورخو أصلًا. ولم تثبت حكاية الميل هذه. بل فوجئ بها أنيس نفسه وتلميذه الجندي عندما كانا يجدان قبيلة بدوية(!!) تنطق بميل حضري والعكس صحيح فكانا يفسران ذلك بالتجاور بين قبيلتين من الصنفين! فالصنفان لا علاقة لهما بليونة أو قسوة”(17).

فهذه الرؤية يتبناها الباحثون كما هي، من دون إخضاعها للتأمل والفحص والتدقيق؛ كونها آتية من عَلَمٍ مشهور، وذلك مما يستوقف السوسوة، وله بحث سماه بـ “سطوة الشهرة”. تناول فيه سطوة آراء العلماء ذوي الشهرة على الباحثين، فيأتون بها من دون فحصٍ أو تدقيق، ومما جاء في هذا البحث حديثه عن هذه الرؤية.

[1ــ3]: رؤى المجامع اللغوية

إذا كانت المجامع اللغوية هي صاحبة القول الفصل في إجازة الظواهر اللغوية أو عدم إجازتها، فإن السوسوة يرى أن هذا الأمر نسبيٌّ. ذلك؛ لأن أعضاء المجامع اللغوية “يغلب عليهم البحث عن مسوغ لإجازة الظاهرة المعنية، حتى أنهم ليقولون بصواب بعض الظواهر اللغوية، وهي خطأ في العربية المعاصرة، لأن الكُتاب ــ في معظمهم ــ يتحاشون الوقوع فيها، وهناك طبعًا ما خطأه المجمع عن حق، وفي الوقت نفسه هناك ظواهر أفتى المجمع بخطئها وهي صوابٌ في العربية المعاصرة”(18).

ويورد في هامش الصفحة مثالًا لتصويب أعضاء المجمع ظواهرَ لغوية، هي أصلًا خطأ في العربية المعاصرة، محيلًا على كتاب “الألفاظ والأساليب”، الصادر عن المجمع اللغوي بالقاهرة، فيقول:

“من ذلك إقرار لجنة الألفاظ والأساليب لفظي: المعمّر والمتوفى، بصيغة اسم الفاعل…”(19).

[1ــ4]: رؤى المصوبين اللغويين

للدكتور عباس السوسوة ــ في كتابه “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية” ــ موقفه الواضح من المصوبين اللغويين: فقد كانت تصويباتهم ورؤاهم واحدًا من العوامل المهمة وراء توجههِ توجهًا تاريخيًّا. كما أنه بنى فكرة كتابه “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية” على نقد النقد اللغوي، من خلال نقده لرؤى هؤلاء المصوبين؛ فجاءت دراسته لموضوعات الكتاب ــ صرفية ونحوية ــ بمنهجيةٍ تاريخيةٍ؛ بناءً على موقفه من المصوبين اللغويين.

وقد جاء عنوان بحثه “عن حاملي عصا التصويب اللغوي” دالًّا على تشدد هؤلاء في تصويباتهم، فمن وظائف (العصا) التأديب والعقاب. لذلك؛ جاء بهذا اللفظ للدلالة على تشدد هؤلاء.

وعبر عن تشدد المصوبين اللغويين في تصويباتهم؛ خوفًا على العربية الفصحى بالمصطلح النفسي “الرهاب”. وهو عنوان بحثه، الذي تناول فيه خوفهم وتشددهم في تصويباتهم اللغوية، “رهاب العربية الفصحى”، ويعني به: “الخوف المبالغ فيه على الفصحى من أي تغير يحدث لدلالة كلمة ما، أو قاعدة جزئية في الصرف والنحو … فإذا تأملت مليًّا فيما قيل عنه خطأ يراد تصحيحه؛ وجدت كثيرًا منه يتردد في تراثنا منذ القرن الثاني الهجري إلى الآن”(20).

وتناول في هذا البحث أهم مظاهر رهاب الفصحى من وجهة نظره، المتمثلة في ثلاثة مظاهر. هي: الخوف من التطور التركيبي في الفصحى، ورهاب الهمزة، ورهاب دراسة اللهجات.

ويأخذ على المصوبين اللغويين، عدم التزامهم بمعاييرهم ومقاييسهم التي يأتون بها. وبذلك؛ فهم غير ملتزمين بما يقولون من معايير ومقاييس. وهو في هذا متفقٌ مع النتيجة التي توصل إليها الباحث عبد الفتاح سليم، في كتابه “اللحن في اللغة”؛ إذ توصل إلى أن المصوبين غير ملتزمين بمعاييرهم تلك. والسوسوة يستشهد بما وصل إليه هذا الباحث، موردًا تلك النتيجة مع أسماء المؤلفين في التصحيح اللغوي، وأسماء مؤلفاتهم وتعقيب الباحث عبد الفتاح سليم عليهم بأنهم غير ملتزمين بمعاييرهم، وتبدأ هذه الأسماء بـ “شاكر شقير”، وتنتهي بـ “كمال إبراهيم”.

وقد أورد السوسوة هذه القائمة نفسها(21)، في كتابه “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”، وفي بحثه “عن حاملي عصا التصحيح اللغوي ومتفرقات”. وأورد القائمة نفسها ــ أيضًا ــ في بحثه “رهاب العربية الفصحى”(22)، مع إضافته هو، إلى هذه القائمة أسماء أخرى لم يلتزم أصحابها بمعاييرهم، إذ أضاف: “مصطفى جواد”، و”أحمد مختار عمر”، و”عبد الفتاح سليم”(23). كذلك أورد أسماء أخرى، من علماء اللغة القدامى، لم يلتزموا بمعاييرهم، مبتدئًا بـ “الكسائي”، ومنتهيًا بـ “الحريري”(24).

وقد جاء موقفه هذا من المصوبين، اللغويين بعد استقرائه للتراث العربي؛ إذ بدأ معجبًا بهم، وحاذيًا حذوهم، فصوّبَ على طريقتهم بعض  الظواهر اللغوية. وبعد تراكم ثقافته وتنامي بنيته المعرفية، وصل إلى موقفه المخالف لهم فيما يذهبون إليه من تصويبٍ لغويٍّ للظواهر اللغوية. لذلك؛ خالفهم في نقدهم للظواهر اللغوية في العربية الفصحى المعاصرة، وانتصر للتعبير المعاصر في كتابه “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. وطبق مخالفته لهم باستخدامه في لغته التأليفية ما يخطئون من ظواهر لغوية؛ إذ استخدم اللفظ “طبيعي”(25) الذي يخطئونه ـ وكان يخطئه مثلهم سابقًا(26) ـ بدلًا من (طبعي). واستخدم اللفظ “الرئيسية”(27) بدلًا من “الرئيسة”. واستخدم ــ أيضًا ــ أداة العطف المركبة “بل و”، في الصفحات نفسها، التي يتحدث فيها عن هذه الأداة المركبة في العربية الفصحى المعاصرة؛ إذ يقول: “بل ولعلي لا أبالغ إن قلت …”(28).

[2]: التصويب اللغوي

يتضمن النقد اللغوي عند السوسوة تصويبًا لغويًّا، يتناول فيه تصحيح “لغة التأليف”(29)، وتصويب الأخطاء اللغوية، التي يقع فيها المؤلفون والكتاب. وإلى ذلك، سبق له أن كان يعمل مصححًا لغويًّا في صحيفة (26سبتمبر).

والتصويب اللغوي عند السوسوة، ليس من صنف التصويب اللغوي الذي انتقده عند المصوبين اللغويين، الذي يأتي من قبيل (قل ولا تقل). وإنما هو تصويب آخر غير تصويب هؤلاء؛ فالأخطاء التي يتناولها بالتصويب “أخطاءٌ لا تدخل في باب (قل ولا تقل) فهذا ترف لا نقصده. بل نعني أنها أخطاء في المبتدأ والخبر، والصفة والموصوف، وخبر كان وخبر إن مقدمًا ومؤخرًا وفي التمييز. وفي الجمع السالم بنوعيه، وفي المثنى، وفي المجرور وغيرها …”(30).

[2ــ1]: تصويب أخطاء الباحثين والكُتّاب

صوّب السوسوة عددًا من الأخطاء اللغوية، التي يقع فيها بعض الباحثين والكتاب، من مثل، تصويبه للخطأ اللغوي المتمثل في عدم نصب اسم (أن)، إذ يورد الموضع الذي جاء فيه الخطأ مع تصويبه، قائلًا: “إن أفعال من أمثال خاف x أفعالًا”(31).

ومن ذلك، تصويبه اللغوي لمجيء الفاعل منصوبًا عند واحدٍ من الباحثين، إذ يصحح هذا الخطأ بطريقةٍ تلميحية لا تصريحية، فيقول في إن بحث محمد مريسي الحارثي “الشعر والنثر مقاربات في التشكيل”،  “(178ـ 1) “تلتقي فيه هاتين الخاصيتين” ولا أظن الفاعل منصوبًا”(32)؛ إذ يكتفي بتلميحه، الذي يعني أن الفاعل مرفوعٌ وليس منصوبًا، كما جاء هنا. وإن كان الباحث غير واعٍ بهذا الخطأ، وغير واعٍ أنه نصب ما يجب رفعه، فإنه مع ذلك، يظل خطأً لغويًّا يجب تصويبه.

كذلك، يصحح الخطأ اللغوي، في ملاحظاته وتصحيحه للأخطاء اللغوية، التي وردت في كتاب: “كتابة السيرة النبوية عند رفاعة الطهطاوي”. ومن ذلك، هذا الخطأ اللغوي، المتمثل في المطابقة بين العدد ومعدوده تأنيثًا وتذكيرًا. على غير ما جاءت به القاعدة النحوية، في مخالفة الأعداد المفردة لمعدودها في التذكير والتأنيث. فيورد الخطأ مصوِّبًا إياه، بقوله:

“49س8 أربعة من النساء أنجبن أربعًا من الأنبياء والصواب: أربع من النساء أنجبن أربعة من الأنبياء”(33).

ومن تصويباته اللغوية، لبحث لمياء باعشن “المنهج الأسطوري في النقد العربي الحديث”، تصويبه الخطأ اللغوي الذي وقعت فيه الباحثة، فنصبت اسم (ليس)، وخبر المبتدأ اللذين من حقهما الرفع، فيورد الخطأ مصوبًا إياه، على هذا النحو:

“فليس هناك نقدًا روائيًّا ولا نقدًا مسرحيًّا ولا نقدًا ملحميًّا، فقط نقدًا أسطوريًّا” الصواب: برفع كل هذه المنصوبات”(34).

ومن تصويباته اللغوية، وتصحيحه للأخطاء اللغوية، التي يقع فيها الباحثون والكتاب، تصويبه للأخطاء اللغوية التي وقع فيها محقق كتاب “نور المعارف”؛ إذ كان العيب الرابع من العيوب التي وجدها عند هذا المحقق “كثرة أخطاء النحو واللغة والتعبير التي لم تسلم منها تعليقاته ولا المقدمة”(35). من مثل، خطأ رفع خبر “ما زال”، الذي من حقه النصب، فيورد الخطأ مع تصويبه، كالآتي: “د27 ما زال البحث والتنقيب عنه جار، صوابه جاريًا”(36).

[2ــ2]: تصويب أخطاء المتعالمين

من ملاحظات الدكتور عباس السوسوة اللغوية على الكتاب والباحثين، ملاحظاته على من يأتي بألفاظٍ ومصطلحاتٍ يريد بها أن يتعالم على القارئ، وهو ــ كما مر ــ تثيره مثل هذه السلوكيات التأليفية التي يريد من ورائها المؤلف أو الكاتب التعالم والتعالي على القارئ. ومن ذلك، ما جاء في ملاحظاته وتعليقه على مقال “الأدب الملحمي في التراث العربي ــ البنية والدلالة”، لمحمد النجار، فيقول:

“ونحن نفترض في الكاتب القومي محبة لغته القومية، لكننا نجد صاحبنا يكرر ألفاظًا للتعالم مثل: الفضاءات السوسيولوجية، والسوسيوثقافية والسوسيوتاريخية، والتعويض السيكولوجي، أتراه لم يجد في لغته ما يسد مسدها؟!”(37).

[2ــ3]: تصويب الأخطاء المطبعية

مما جاء في تصويب الدكتور عباس السوسوة اللغوي، ملاحظاته على الأخطاء المطبعية، التي عادة ما يكون المسؤول الأول عنها دور النشر. وقد وقف عند كثير من تلك الأخطاء والهنات، مصوّبًا إياها في عددٍ من كتاباته وأبحاثه(38).

وعلى أن السوسوة يتتبع تلك الهنات المطبعية، التي يكون المسؤول عنها الناشر، وليس المؤلف، فإنه هو نفسه لم تسلم أبحاثه وكتاباته، من مثل تلك الأخطاء؛ ففي كتابه “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية” عددٌ منها. وقد استدركها في قائمةٍ، صوّبَ فيها تلك الأخطاء، واستهلها بقوله:

“في الكتاب أخطاءٌ مطبعية لا تخفى على فطنة القارئ، وهذه قائمة تصويبات أخرى، نرجو أن يجريها على الصفحات قبل القراءة، مع اعتذارنا”(39).

ومــن الأخطـاء المطــبعية الواردة في الكتــاب، التي صوبها في القائمة الملحقة، مجيء لفظ “الرجالي” في الكتاب “الرجائي”(40)، فصحح هذا الخطأ في القائمة الملحقة: “86 ـ 13 الرجالي”(41).

ويكتفي السوسوة بذكر الصواب في هذه القائمة، يسبقه رقمان: الأول للصفحة، والثاني للسطر، و (هـ) للهامش(42). كما هو سلوكه في تصحيحه للأخطاء اللغوية والمطبعية، في عددٍ من البحوث والمؤلفات.

وإذا كان قد استدرك الأخطاء المطبعية الواردة في كتابه “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”، بقائمة يصوّب فيها تلك الأخطاء، فإنّ هناك أخطاء مطبعية أخرى، غير مستدركة، اقترفتها المطابع ودور النشر في مواطن من أبحاثه وكتاباته في غير هذا الكتاب. من ذلك، مجيء حرف (الياء) زائدًا بعد لفظة “شعر”، في جملة: “بل يتناول شعريًّا حديثًا …”(43)، لتصبح (شعريًّا) بدلًا من (شعرًا)؛ إذ إن الجملة الصحيحة وفقًا للسياق، هي: “بل يتناول شعرًا حديثًا…”.


  1. وليد محمود خالص، “أبو العلاء المعري ناقدًا”. دار الرشيد، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، العراق، سلسلة دراسات (307)، 1982م، ص: (165). ↩︎
  2. عبد الفتاح سليم، “المعيار في التخطئة والتصويب”. ط1، دار المعارف، القاهرة، 1991م، ص: (41). ↩︎
  3. أبو الفرج الأصفهاني (علي ابن الحسين) (ت 356هـ)، “الأغاني”. إعداد: مكتب تحقيق دار إحياء التراث العربي. ط2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1418هـ ــ 1997م، جـ11/ ص: (9). ↩︎
  4. أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، (296 ــ 384هـ)، “الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء”. وقف على طبعه، واستخرج فهارسه: محب الدين الخطيب. ط2، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، 1385هـ، ص: (55،54). ↩︎
  5. ينظر:
    ــ عبد العزيز مطر، “لحن العامة في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة”. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1386هـ ــ 1967م، ص: (7).
    ــ رمضان عبد التواب، “لحن العامة والتطور اللغوي”. ط1، مطابع البلاغ، القاهرة، 1967م، ص: (97ـ 100). ↩︎
  6. إحسان عباس، “تاريخ النقد الأدبي عند العرب”. ط4، دار الثقافة، بيروت، 1412هـ ــ 1992م، ص: (93). ↩︎
  7. وليد محمود خالص، “أبو العلاء المعري ناقدًا”. مرجع سابق، ص: (166). ↩︎
  8. عباس علي السوسوة، “الصحاح: هل اقتصر على الصحاح”. مجلة بحوث جامعة تعز، العدد (1)، 1998م، ص: (60). ↩︎
  9. نفسه. وانظر: إسماعيل بن حماد الجوهري، “الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية”. ط3، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، 1984م، ص: (33). ↩︎
  10. نفسه، ص: (64)، وانظر: “الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية”. مصدر سابق، ص: (1287). ↩︎
  11. نفسه. وانظر: السيوطي، “المزهر في علوم اللغة”. تحقيق: محمد أحمد جاد المولى وعلي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم. مكتبة عيسى الحلبي، القاهرة، 1958م، جـ1/ ص: (211ـ212). ↩︎
  12. نفسه، ص: (65)، وانظر: “الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية”. مصدر سابق، ص: (21). ↩︎
  13. نفسه. وانظر: “الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية”. مصدر سابق، ص: (327). ↩︎
  14. نفسه. وانظر: “الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية”. مصدر سابق، ص: (482). ↩︎
  15. نفسه، ص: (69). وانظر: الجواليقي، “المعرب من كلام الأعجمي على حروف المعجم”. تحقيق: ف. عبد الرحيم، دار القلم، دمشق، 1990م، ص: (476). ↩︎
  16. نفسه. وانظر: “الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية”. مصدر سابق، ص: (203). ↩︎
  17. عباس علي السوسوة، “المستشرقون وخبز الشعير المذموم”. مجلة جذور، إصدارات النادي الثقافي الأدبي بجدة، العدد (12)، المجلد (7)، محرم 1424هـ ــ مارس 2003م، ص: (41). ↩︎
  18. عباس علي السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”: دار غريب، القاهرة، 2002م، ص: (11). ↩︎
  19. نفسه. ↩︎
  20. عباس علي السوسوة، “رهاب العربية الفصحى: كتاب مؤتمر: (العربية والدراسات البينية)”. كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، مارس 2007م، ص: (813). ↩︎
  21. انظر:
    عباس السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (20،19).
    عباس علي السوسوة، “عن حاملي عصا التصويب اللغوي، ومتفرقات”. مجلة جذور، النادي الأدبي الثقافي بجدة، العدد (9)، مجلد (5)، ربيع الآخر 1423هـ ــ  يونيو 2002م، ص: (79). ↩︎
  22. عباس السوسوة، “رهاب العربية الفصحى”. مرجع سابق، ص: (617). ↩︎
  23. نفسه، ص: (814). ↩︎
  24. نفسه، ص: (44،43). ↩︎
  25. انظر على سبيل المثال:
    ــ عباس السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (74).
    ــ ضياء الدين بن جمال الذماري، “شرح المشعططات السبع”. تحقيق وتعليق: عباس علي السوسوة. ط1، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 1428هـ ــ 2007م، ص: (27). ↩︎
  26. عباس السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (18). ↩︎
  27. نفسه، ص: (205). ↩︎
  28. نفسه، ص: (175). ↩︎
  29. عبد الجبار وهيب القزّاز، “الدراسات اللغوية في العراق في النصف الأول من القرن العشرين”. كلية الآداب ــ جامعة بغداد، شوال 1399هـ ــ أيلول 1979م، ص: (95). ↩︎
  30. عباس علي السوسوة، “اللغة العربية: تأليف: كيس فرستيغ، ترجمة: محمد الشرقاوي”. عرض ونقد. مجلة الدراسات اللغوية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، العدد (3)، المجلد (9)، رجب ــ رمضان 1428هـ  ــ يولية ــ سبتمبر 2007م، ص: (223). ↩︎
  31. نفسه. ↩︎
  32. عباس السوسوة، “المستشرقون وخبز الشعير المذموم ومتفرقات”. مجلة جذور، مرجع سابق، ص: (39). ↩︎
  33. عباس علي السوسوة، “كتابة السيرة النبوية عند رفاعة الطهطاوي”. عرض ونقد: صحيفة الثقافية، تعز، العدد (222)، 18 ديسمبر 2003م، ص: (14). ↩︎
  34. عباس علي السوسوة، “لساني فضولي يتطفل على قراءة النص”. مجلة علامات، النادي الأدبي الثقافي بجدة، العدد (49)، مجلد (13)، رجب 1424هـ ــ سبتمبر 2003م، ص: (345). ↩︎
  35. عباس علي السوسوة، “تحقيق نور المعارف ومحنة الباحث الجاد في اليمن الشقيق”. صحيفة الثقافية، تعز، العدد (265)، 21 أكتوبر 2004م، ص: (20). ↩︎
  36. نفسه. ↩︎
  37. عباس علي السوسوة، “ملاحظات مفتش نظافة سويسري”. مجلة جذور، النادي الأدبي الثقافي بجدة، العدد (6)، مجلد(3)، رجب 1422هـ ــ سبتمبر 2001م، ص: (521،520). ↩︎
  38. انظر، مثلًا:
    ــ عباس السوسوة، “ملاحظات مفتش نظافة سويسري”. مجلة جذور، مرجع سابق، ص: (509 ــ 514).
    ــ عباس السوسوة، “عن حاملي عصا التصويب اللغوي”. مجلة جذور، مرجع سابق، ص: (84 ــ 88).
    ــ عباس علي السوسوة، “في النحو التاريخي للفصحى، وملاحظات”. مجلة جذور، النادي الأدبي الثقافي بجدة، العدد (10)، المجلد (6)، رجب 1423هـ ــ  سبتمبر 2002م، ص: (101ـ106).
    ــ عباس السوسوة، “المستشرقون وخبز الشعير المذموم”. مجلة جذور، مرجع سابق، ص: (49،48،46،45،44،42،38). ↩︎
  39. القائمة الملحقة بكتاب “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق. ↩︎
  40. عباس السوسوة،”العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (86). ↩︎
  41. القائمة الملحقة بكتاب “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق. ↩︎
  42. نفسه. ↩︎
  43. عباس السوسوة، “ملاحظات مفتش نظافة سويسري”. مجلة جذور، مرجع سابق، ص: (529). ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *