علم المناهج وتاريخها

علم المناهج وتاريخها

علم المناهج وتاريخها

د. عبده منصور المحمودي

بعد الوقوف على دلالة المنهج في اللغة والاصطلاح، ندلف إلى إضاءة بعضٍ من تجليات الاهتمام بالمنهج. كظهور علم خاص به، وتدوين مراحله التاريخية.

[1]: علم المناهج

أفضى التقدم العلمي المتسارع والهائل، إلى تعدد العلوم وفروع دراساتها المنهجية. وتداعيًا مع ذلك؛ استجد في ميدان العلوم حقلٌ جديد، يختص بدراسة المنهج. اصطلح عليه (علم المناهجMethodology ). وهو ذاك العلم “الباحث في الطرق المستخدمة في العلوم للوصول إلى الحقيقة”(1). الذي يهدف إلى “تقنين الأسس النظرية للمعرفة العلمية”(2).

ويعود استعمال كلمة “الميتودولوجيا”، إلى الفيلسوف الألماني (كانت)(3). الذي قسم المنطق على قسمين: “مذهب المبادئ، وموضوعه شروط المعرفة الصحيحة. وعلم المناهج، الذي يحدد الشكل العام لكل علم، والطريقة التي تكوِّن أي علمٍ كان”(4).

[1ــ1]: من يضع علم المناهج؟

في سياق جدليٍّ حول علم المناهج نشأت عدد من الإشكالات. منها تلك الإشكالية الجدلية، المتعلقة بتحديد هوية من يقوم بصناعة هذا العلم. أهو الفيلسوف؟ أم العالم المتخصص؟!

[1ــ1ــ1]: رؤية (كلود برنار)

ناقش (كلود برنار، 1878م)(5)، هذه الإشكالية بشكل حاسم. إذ رأى أن المناهج تتأتى من جزئيات وتفاصيل العلم. ولا يمكن أن تدرس نظريًّا كقواعد عامة، “إنما تتكون في داخل المعمل الذي هو معبد العلم الحقيقي، وإبان الاتصال المباشر بالوقائع والتجارب العملية”(6).

وفي سياق رؤيته في هذه الإشكالية، يرفض (كلود برنار) تعاليم الفلاسفة. إذ يرى أن “التعاليم النافعة هي وحدها تلك الصادرة عن التفاصيل الخاصة بالممارسة التجريبية في علمٍ معين بالذات”(7).

[1ــ1ــ2]: مناقشة رؤية (كلود برنار)

رؤية (كلود برنار) ــ هذه ــ وإن كانت منطقية ضمنًا، بمعنى أن الفيلسوف غير قادرٍ على وضع القواعد والأسس للعلوم بصيغة عامة. إلّا أن التنسيق بين المناهج، لا بد منه للفيلسوف والعالم على حدٍ سواء؛ من أجل صياغة تلك القواعد والأسس. كما أن القواعد العامة ــ التي يقدمها هذا العالم أو ذاك ــ يمكن الاستفادة منها، في علومٍ أخرى. ودليل إمكانية هذه الاستفادة، أن (كلود برنار) نفسه، في كتابه “المدخل إلى دراسة الطب التجريبي” قد تعاطى مع ذلك؛ إذ “أبرز طائفة من التعاليم والقواعد العامة، لا يقتصر نفعها على الطب التجريبي، بل يفيد منها الفيزيائي والكيميائي وغيرهما”(8). بمعنى أن هناك وشائج، تترابط من خلالها المناهج. كما يؤكد ذلك (فونت)، بقوله: “إن مناهج البحث وثيقة الارتباط باطنيًّا في تطبيقاتها العلمية، إلى درجة أنه لا توجد مشكلة مركبة لا تشارك جميعًا في حلها، وليس الأمر هنا مقصورًا على رابطة التتالي في الترتيب بمعنى أن المنهج التالي يفترض مقدمًا منهجًا سابقًا، بل تدخل (المناهج) اللاحقة في تلك السابقة كذلك”(9).

هذه الروابط بين المناهج، لا بد من وجود الشخص القادر على استيضاحها. وهذا ما ليس بوسع العالم المحدود في مجاله وتخصصه، فهو “لا يستطيع عادةً أن يتبين الروابط الجامعة بين ميادين العلوم والمعارف المختلفة، لا بد إذن من أن يحاول شخصٌ آخر ذو نظرة عامة أوسع استقراءً للمناهج التي اتبعها العلماء في ميادينهم المختلفة؛ لاستخلاص النماذج العامة للمناهج، وأن يصل بذلك إلى شيء من التعميم، وهذا الشخص هو المنطقي”(10).

[1ــ1ــ3]: تكامل العلم والفلسفة

بهذه المسارات التي تقوم عليها هذه الإشكالية، يتضح التكامل والتناسق بين العلم والفلسفة؛ إذ لا تعارض بينهما(11). هذا التكامل الحتمي بينهما، يؤكد أن “مهمة الفيلسوف لا تتنافى مع مهمة العالم لأنها خطوة تليها فالواجب أن يبدأ العالم المتخصص فيرشدنا إلى المنهج الذي اتبعه في أبحاثه وأن يقدم لنا تقريرًا مفصلًا عن الخطوات التي مر بها وهو بسبيل بحثه في ميدانه الخاص؛ ثم يأتي عالم آخر أوسع أفقاً وأميل إلى النظرة العامة، أي يكون ذا نزعة فلسفية فيحاول أن ينسق بين هذه التقارير التي قدمها العلماء المتخصصون كي يستخلص منها الخصائص العامة للمناهج المختلفة، ثم يأتي الفيلسوف المنطقي في الدرجة الثالثة، فيحاول إرجاع هذه المناهج إلى صفات ذاتية في العقل الإنساني، محاولًا أن يصوغ النتائج التي وصل إليها السابق في صيغ واضحة تنظم على هيئة مذهب في العقل الإنساني من حيث طبيعة اتجاهاته في البحث عن الحقيقة”(12).

[1ــ1ــ4]: عمل الفيلسوف

لا يقدم الفيلسوف تعاليم واجبة التطبيق من العالم في ميدان تخصصه؛ لأن ما يقدمه الفيلسوف للعالم “إشارات عامة وتوجيهات كلية يدعوه إلى الاهتداء بها أثناء بحثه… وللعالم المتخصص مطلق الحرية في اتباعها أو عدم اتباعها أو تعديلها بما يتلاءم وموضوع بحثه الخاص”(13). وذلك؛ لاتسام المناهج العلمية بالنسبية وعدم الثبات، فالمنهج “لم يكن قالبًا ثابتًاً لصهر الأفكار تحت درجات حرارة عالية وكأنه فرن لإذابة الحديد أو الخامات الأخرى الصلبة، بل المنهج هو الذي يكون قابلًا لاستيعاب الجديد، ويسعى للكشف عنه”(14). لذلك؛ “على الفيلسوف أو المنطقي أن يفهم أن المناهج ليست أشياء ثابتة، بل هي تتغير وفقًا لمقتضيات العلم وأدواته، ويجب أن تكون قابلة للتعديل المستمر حتى تستطيع أن تفي بمطالب العلم المتجددة، وإلا كانت عبثًا ومصدرًا للضرر”(15). هذا التغير، سمة لا يمكن تجاوزها في أية حال من الأحوال. وبذلك؛ يستدعي هذا التغير التعديل في هذه المناهج، وليس في الأمر “حطٌّ من قدر مهمة الفيلسوف الباحث في المناهج، لأن مهمته الرئيسة أن يكشف عن الطرائق العامة التي يسلكها العقل الإنساني في بحثه عن الحقيقة بتأمله في المناهج التي سار عليها العقل في تحصيله للعلم في مختلف فروع نشاطه”(16).

[1ــ2ــ1]: تجزئة المناهج

على تشابك المناهج العلمية وترابطها، إلّا أنّ ذلك لا يمنع من تجزئتها والفصل فيما بينها، بغرض دراستها. وعددها كبير؛ لاختلاف العلوم في الخصائص الداخلية لكل علم، إذ إن كل علم ينبع منه منهج دراسته الخاص به، والمتوائم مع خصوصيته. وعلى ذلك؛ هناك مناهج نموذجية أربعة، يمكن أن تنضوي تحتها كل المناهج الجزئية المتفرعة بتفرعات العلوم المختلفة.

[1ــ2ــ2] المناهج النموذجية الأربعة
  • المنهج الاستدلالي، أو الرياضي:

وفيه “نسير من مبدأ إلى قضايا تنتج عنه بالضرورة. [من] دون اللجوء إلى التجربة. وهو منهج العلوم الرياضية خصوصًا”(17).

  • المنهج التجريبي:

هذا المنهج معمولٌ به خاصة في العلوم الطبيعية. وفيه “نبدأ من جزئيات أو مبادئ غير يقينية تمامًا، ونسير منها معممين حتى نصل إلى قضايا عامة، لاجئين في كل خطوة إلى التجربة كي تضمن لنا صحة النتائج: وهو منهج العلوم الطبيعية على وجه التخصيص”(18).

  • المنهج الاستردادي، أو المنهج التاريخي:

في هذا المنهج نقوم “باسترداد الماضي تبعًا لما تركه من آثار، أيًّا كان نوع هذه الآثار؛ وهو المنهج المستخدم في العلوم التاريخية والأخلاقية”(19).

  • المنهج الجدلي:

هو المنهج “الذي يحدد منهج التناظر والتحاور في الجماعات العلمية أو المناقشات العلمية، ولا يمكن لهذا المنهج أن يؤتي ثماره حقيقة إلا إذا أسعفته المناهج الثلاثة السابقة”(20).

[2]: تاريخ المنهج

مرت فكرة المنهج بمراحل تكوينية متتابعة، منذ الحضارة البابلية والمصرية القديمة حتى العصر الحديث.

[2ــ1]: أفلاطون وأرسطو

لقد قام “المنهج” ــ منذ البداية ــ على معنى البحث، أو النظر أو المعرفة عند (أفلاطون). وبمعنى البحث أيضًا عند (أرسطو)(21)، الذي استجدت عنده مرحلة تكوينية جديدة، فهو من “وضع قواعد المنهج القياسي أو الاستدلال”(22). وإليه يعود أول منهج للبحث العلمي؛ “لعل أول منهج وضع للبحث العلمي وطرق الاستدلال فيه والاستنباط هو منهج أرسطو الذي سماه باسم المنطق، وهو يتحدث فيه عن الكليات الخمس المعروفة: الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض…”(23). كما أنه “فطن أيضًا للاستقراء، ودعا إلى الاستعانة بالملاحظة ولكنه لم يفصل خطوات المنهج الاستقرائي وكان الطابع التأملي غالبًا على تفكيره”(24). والاستقراء الذي ذهب إليه “هو الحكم على الكلي بما يوجد في جزئياته جميعًا، أو هو الحكم على الكلي بما يوجد في بعض أجزائه وهو الاستقراء القائم على التعميم”(25).

[2ــ2ــ1]: العرب ومنطق أرسطو

لقد كان فكر (أرسطو) ومنطقه نقطة تحول في تاريخ المنهج. وعليه سار اليونانيون من بعده. كما سار العرب في هذا الطريق، متأثرين به؛ إذ اهتموا “بمنطق أرسطو منذ ابن المقفع، فأخذوا يترجمونه أولًا، ثم مضوا يشرحونه ويلخصونه في مصنفات كثيرة، واحتكموا إلى هذا المنطق، أو قل استلهموه في وضع علومهم. ونحن نجده ماثلًا في علم الفقه وأصوله… وبالمثل نجده بارزًا في علوم اللغة والنحو، إذ نرى النحاة منذ الخليل يتوسعون في الحديث عن القياس، كما يتوسعون في الحديث عن العلل التي يقوم عليها القياس”(26).

[2ــ2ــ2]: إضافات عربية

على اهتمام العرب بمنطق (أرسطو)، إلّا أنهم أضافوا إليه أبعادًا أخرى. إذ “اهتدى العلماء العرب مبكرين إلى أن القياس الأرسطي قياس رياضي فهو يبدأ من العام الكلي ويطلبه في المفردات الجزئية، وقد تطرد صحة ذلك في الرياضة، أما في العلوم الطبيعية والإنسانية فلابد من الانتقال العكسي أي من الأفراد والمفردات إلى الكلي العام، حتى يكون القياس سديدًا”(27). وبذلك؛ كان لهم بَصْمتهم في هذا العلم، فقد “عكسوا بواسطة الاستقراء الانتقال من العام إلى الخاص، إذ جعلوه الانتقال من الجزئي إلى الكلي، ووقفوا فاعلية منطق أرسطو وأقيسته إذ أدخلوا عليه التجربة والملاحظة في إثبات الحقيقة بدون حاجة إلى حدود ومقولات وأقيسة”(28).

وبهذه التوجهات المنهجية الجديدة، تجاوز الفكر العربي الحدود الصورية. أي أن العرب عارضوا المنهج القياسي وخرجوا على حدوده، إلى اعتبار الملاحظة والتجربة مصدرًا للبحث والتقدم العلمي(29). ذلك؛ لأن الأقيسة المنطقية، كما يقول ابن خلدون، “أحكامٌ ذهنية، كلية عامة، والموجودات الخارجية متشخصة بموادها، ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي، الفهم، إلا ما يشهد له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين المنطقية”(30).

وبهذا؛ كان للعرب دورهم في الانتقال بالمنهج نقلة نوعية أخرى بعد (أرسطو) في العصور الوسطى. كما نبغ ــ في ذلك ــ كثيرٌ من علمائهم ومفكريهم. من مثل: الحسن بن الهيثم، وجابر بن حيان، ومحمد بن موسى الخوارزمي، والبيروني، وأبو بكر الرازي، وابن سينا. وغيرهم.

[2ــ3]: الغرب والاحتفاء بالمنطق الأرسطي

ظل علماء الغرب محافظين على المنطق الأرسطي؛ إذ “أسلموا أنفسهم في العصور الوسطى لمنطق أرسطو، معتقدين أنه وحده كافٍ في استنباط القوانين العامة لا في الرياضة وحدها، بل أيضًا في الطبيعة”(31).

واستمر الغربيون على هذه الحال زمنًا. ولأنهم كانوا مطّلعين على الفكر العربي آنذاك، وما نادى به من العناية بالاستقراء الكامل والملاحظة والتجربة، فقد أثر هذا فيهم. وعلى ذلك؛ التفتوا إلى فكرهم، وهاجموا مواطن القصور فيه. وقد بدأ هذا الهجوم الفيلسوف الإنجليزي (روجر بيكون)(32)، “وعلى قبس أو اقتباس من هذه المعرفة أخذ (روجر بيكون) الفيلسوف الإنجليزي يهاجم المنطق الأرسطي وما يفضي إليه من اعتماد العلم على الطريقة القياسية، وقال إنه ينبغي أن يعتمد قبل كل شيء على التجربة”(33).

[2ــ4]: المنهج في عصر النهضة

مع بدايات عصر النهضة، كان قد بدأ اهتمام المناطقة بالمنهج؛ “ففي هذه الفترة نرى المناطقة يعنون بمسألة المنهج، كجزء من أجزاء المنطق، فمثلًا: نرى (مولينا ونونيثMolinna, Nunez) يهتمان به؛ ونجد فصلًا طويلًا عن المنهج في كتاب (زبر له) Zabarella (سنة 1578) عن المنطق؛ وكذلك لدى أوستاش دي سان بول Eustachede Saint Paul مؤلف كتاب (خلاصة فيان)Somme du Feuillant المكتوب سنة 1609”(34).

هذه المحاولات الأولى في بداية عصر النهضة اتسمت بالغموض. ولم يكن لها ما كان للمحاولة التي اتخذت لها مكانًا بارزًا في المراحل التكوينية للمنهج. تلك المحاولة التي قام بها (راموس) Ramus (سنة 1515ـ 1572)، إذ قسم المنطق على أربعة أقسام: التصور، والحكم، والبرهان، والمنهج(35). وعلى ذلك؛ لم يحقق (راموس) تقدمًا ملموسًا لمنهج العلوم؛ فهو “لم ينته إلى تحديد منهج دقيق للعلوم، بل عنى خصوصًا بالمنهج في البلاغة والأدب، شأنه شأن رجال عصر النهضة، ولم يهتم بالملاحظة والتجربة إلى درجة كافية”(36).

[2ــ5]: القرن السابع عشر ونقطة التحول الحاسمة
[2ــ5ــ1] (فرانسيس بيكون)

في القرن السابع عشر، كانت النقطة الحاسمة في تكون المنهج، بعد أن تجدد الهجوم على المنطق الأرسطي الذي بدأه (روجر بيكون). إذ عاود هذا الهجوم (فرانسيس بيكون 1561 ـ 1626م)(37). ومعنى هذا “أن اطلاع الأوروبيين في بداية عصر النهضة على التراث العربي هو نقطة الانطلاق في الحضارة الأوروبية التي ازدهرت بعد ذلك”(38).

[2ــ5ــ2ــ1]: (ديكارت)

جاء بعد (فرانسيس بيكون)، الفيلسوف الفرنسي (ديكارت)، وهاجم المنطق الأرسطي. كما هاجم ــ أيضًا ــ (فرانسيس بيكون). “ورأى أن يضع للعلوم كلها رياضية وطبيعية منهجًا واحدًا صوره في مبحثه: “مقال في المنهج”، وقد هاجم بدوره المنطق الأرسطي لأنه يفترض في مقدمات أقيسته أنها يقينية لا يرقى إليها الشك، وهاجم فرانسيس بيكون لأنه اعتد بالتجربة والمشاهدة الحسية في استنباط القوانين الطبيعية، ونفذ من ذلك إلى منهجه الجديد، وهو منهج يعتمد على البراهين الرياضية، إذ العقل الإنساني في جوهره يكون وحدة، وما دام هذا العقل يسلم بقوانين الرياضة، فلابد أن تكون قوانينه عامة تشمل الرياضة وتشمل الطبيعة معًا”(39).

وعلى مهاجمته هذه لـ(أرسطو)، فقد أكد اعتماد القياس. ولكن القياس الذي يراه هو، غير القياس الأرسطي، “لكي نقف على المنهج القويم لهذا العقل في البحث العلمي ينبغي أن نعتمد على القياس ولكن لا قياس أرسطو، بل نحلل نحن القياس فسنراه يبتدئ من أشياء بسيطة يسلم بها العقل وهي البديهيات وينتهي إلى أشياء مركبة”(40).

[2ــ5ــ2ــ2]: قواعد (ديكارت)

استبدل (ديكارت) بالقواعد التي قام عليها منطق أرسطو أربع قواعد، يقوم عليها المنهج في البحوث النظرية، هي:

  • القاعدة الأولى، قاعدة اليقين:

“وهي أن الباحث في أي حقيقة ينبغي أن يتجرد من كل ما كان يعلمه عنها قبل النظر فيها، وألا يسلم إلا بما هو حق ويقين لا يعتريه أي ضرب من ضروب الشك”(41).

  • القاعدة الثانية، قاعدة التحليل:

وهي: “أن كل مشكلة ينبغي أن تقسم إلى أقصى ما يمكن من الأجزاء البسيطة، حتى يمكن أن تحل على خير وجه”(42).

  • القاعدة الثالثة، قاعدة التركيب:

وهي: “أن يرتب الباحث أفكاره بادئًا بأبسط الأمور، ثم صاعدًا درجة درجة حتى يصل إلى معرفة أكثر تركيبًا”(43).

  • القاعدة الرابعة، قاعدة الاستقراء التام:

وهي: “أن يقوم الباحث بالإحصاءات التامة والمراجعات الكاملة حتى يكون عمله دقيقًا”(44).

[2ــ6]: تكامل تكوين المنهج

اتضح أنه على يد الفيلسوفين: الإنجليزي (فرانسيس بيكون)، والفرنسي (ديكارت)، كان التحول الحقيقي والحاسم في مسيرة المنهج ــ منهج البحث العلمي ــ في القرن السابع عشر. ففي هذا القرن “تمت الخطوة الحاسمة في سبيل تكوين المنهج، فـ(بيكون) في كتابه “الأورغانون الجديد”Novum Organum سنة (1620) صاغ قواعد المنهج التجريبي بكل وضوح. و(ديكارت) حاول أن يكتشف المنهج المؤدي إلى حسن السير بالعقل، والبحث عن الحقيقة في العلوم كما يدل على ذلك نفس عنوان كتابه “مقال في المنهج” (سنة 1637)”(45). وبذلك؛ تبلورت واكتملت “صياغة قواعد المنهج الذي يُعنى بتوجيه العقل والكشف عن الحقيقة والبرهنة عليها في ميدان العلوم”(46).

كذلك، تكامل التكوين الواضح للمنهج، حينما “أتى أصحاب “منطق بوريال” (الطبعة الأولى سنة 1662)، فعنوا بتحديد المنهج بكل وضوح، وجعلوه القسم الرابع من منطقهم هذا”(47).

هذا الاهتمام النظري بالمنهج، يحيل على أهميته في الحياة على اختلاف مجالاتها. ذلك؛ أن “غياب المنهج في أي بحثٍ يعني غياب مبدأ الجدية، وصفة الأصالة فيه، فالبحث بلا منهج كلام في الموضوع، أو المسألة، أو الظاهرة المعنية وليس بحثًا، ولهذا لابد لكل بحث من منهج أو مناهج محددة توجه، وتحكم مسيرته، ويمكن في ضوئها تقييمه، والحكم عليه”(48). والمنهج ــ في كل الأحوال ــ هو نقطة الارتكاز لأي علم، فلا يمكن أن يكون العلم علمًا إلّا من خلال المنهج الذي يستخدمه. لأن “العلم منهج قبل أن يكون موضوعًا أو مجموعة من المعارف والنظريات لأننا لا نستطيع أن نتوصل إلى المعارف العلمية، بدون استخدام منهج علمي”(49).

  1. عبد الرحمن بدوي “مناهج البحث العلمي”. ط3، وكالة المطبوعات، الكويت، 1977م، ص: (7). ↩︎
  2. عبد السلام الشاذلي، “الأسس النظرية في مناهج البحث الأدبي العربي الحديث”. ط1، دار الحداثة، بيروت، 1989م، ص: (9). ↩︎
  3. كانت عمانوئيلKant (1724 ـ 1704)، يعتبر أحد أعظم الفلاسفة في جميع العصور. ↩︎
  4. عبد الرحمن بدوي، “مناهج البحث العلمي”. مرجع سابق، ص: (7). ↩︎
  5. .كلود برنارد Benard (1813ـ 1878م): عالم فيسيولوجي فرنسي، درس الجهاز العصبي والهضمي. ↩︎
  6. عبد الرحمن بدوي، “مناهج البحث العلمي”. مرجع سابق، ص: (7). ↩︎
  7. نفسه، ص: (8). ↩︎
  8. أحمد علبي، “المنهجية في البحث الأدبي”. ط1، دار الفارابي،  بيروت، 1999م، ص: (29). ↩︎
  9. عبد الرحمن بدوي، “مناهج البحث العلمي”. مرجع سابق، ص: (10). ↩︎
  10. أحمد بدر، “أصول البحث العلمي ومناهجه”. ط6، وكالة المطبوعات، الكويت، 1982م، ص: (34،33). ↩︎
  11. عبد الفتاح محمد العيسوي، وعبد الرحمن محمد العيسوي، “مناهج البحث العلمي في الفكر الإسلامي والفكر الحديث”. دار الراتب الجامعية، 1996 ـ 1997م، ص: (83). ↩︎
  12. عبد الرحمن بدوي، “مناهج البحث العلمي”. مرجع سابق، ص: (11). ↩︎
  13. نفسه. ↩︎
  14. عقيل حسين عقيل، ” مناهج البحث العلمي”. مكتبة مدبولي، القاهرة، 1999م، ص: (49). ↩︎
  15. عبد الرحمن بدوي، “مناهج البحث العلمي”. مرجع سابق، ص: (12،11). ↩︎
  16. نفسه، ص: (12). ↩︎
  17. نفسه، ص: (18). ↩︎
  18. نفسه، ص: (19،18). ↩︎
  19. نفسه، ص: (19). ↩︎
  20. نفسه. ↩︎
  21. عبد الفتاح محمد العيسوي، وعبد الرحمن محمد العيسوي، “مناهج البحث العلمي في الفكر الإسلامي والفكر الحديث”. مرجع سابق، ص: (77). ↩︎
  22. أحمد بدر، “أصول البحث العلمي ومناهجه”. مرجع سابق، ص: (75). ↩︎
  23. شوقي ضيف، “البحث الأدبي: طبيعته، مناهجه، أصوله، مصادره”. ط8، دار المعارف، القاهرة، د.ت، ص: (79). ↩︎
  24. أحمد بدر، “أصول البحث العلمي ومناهجه”. مرجع سابق، ص: (75). ↩︎
  25. عبد الفتاح محمد العيسوي، وعبد الرحمن محمد العيسوي، “مناهج البحث العلمي في الفكر الإسلامي والفكر الحديث”. مرجع سابق، ص: (84). ↩︎
  26. شوقي ضيف، “البحث الأدبي”. مرجع سابق، ص: (80،79). ↩︎
  27. نفسه، ص: (80). ↩︎
  28. نفسه، ص: (83). ↩︎
  29. عبد الباسط محمد حسن، “أصول البحث الاجتماعي”. ط3، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1971م، ص: (67،66). ↩︎
  30. عبد الرحمن بن خلدون، “مقدمة ابن خلدون”. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، د.ت، ص: (516). ↩︎
  31. شوقي ضيف، “البحث الأدبي”. مرجع سابق، ص: (83). ↩︎
  32. روجر بايكون Bacon, Roger (1220ـ 1292م): عالم وفيلسوف إنكليزي، عُني بعلم البصريات خاصة. ↩︎
  33. شوقي ضيف، “البحث الأدبي”. مرجع سابق، ص: (83). ↩︎
  34. عبد الرحمن بدوي، “مناهج البحث العلمي”. مرجع سابق، ص: (3). ↩︎
  35. نفسه، ص: (4،3). ↩︎
  36. نفسه، ص: (4). ↩︎
  37. شوقي ضيف، “البحث الأدبي”. مرجع سابق، ص: (83). ↩︎
  38. أحمد بدر، “أصول البحث العلمي ومناهجه”. مرجع سابق، ص: (80). ↩︎
  39. شوقي ضيف، “البحث الأدبي”. مرجع سابق، ص: (84). ↩︎
  40. نفسه. ↩︎
  41. نفسه. ↩︎
  42. نفسه. ↩︎
  43. نفسه. ↩︎
  44. نفسه، ص: (85،84). ↩︎
  45. عبد الرحمن بدوي، “مناهج البحث العلمي”. مرجع سابق، ص: (4). ↩︎
  46. أحمد علبي، “المنهجية في البحث الأدبي”. مرجع سابق، ص: (28). ↩︎
  47. عبد الرحمن بدوي، “مناهج البحث العلمي”. مرجع سابق، ص: (4). ↩︎
  48. هادي نهر، “البحوث اللغوية والأدبية، الاتجاهات والمناهج والإجراءات”. دار الأمل، الأردن، 1426هـ ـ 2005م، ص: (33). ↩︎
  49. عبد الفتاح محمد العيسوي، وعبد الرحمن محمد العيسوي، “مناهج البحث العلمي في الفكر الإسلامي والفكر الحديث”. مرجع سابق، ص: (73). ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *