وجدي الأهدل وأنساق التعدد في تجربة الكتابة

وجدي الأهدل وأنساق التعدد في تجربة الكتابة

وجدي الأهدل وأنساق التعدُّد في تجربة الكتابة

د. عبده منصور المحمودي

لكل فردٍ تجربتُه الخاصة في تعاطيه مع الحياة بوجه عام، وتعاطيه مع أنشطته الكتابية وميوله الثقافية والإبداعية على وجه خاص. وقد تأتي هذه التجربة متمحورةً في نسقٍ واحدٍ عند شخصٍ ما، بينما تأتي متمحورة عند آخر في أنساق متعددة. وهو ما نجده في تجربة الكاتب وجدي الأهدل(1)، إذ تتضح العلاقة بين تجربة وجدي الأهدل وأنساق التعدد، في محاور اشتغالاته على عددٍ من المسارات السردية والكتابية، والميول والأنشطة الثقافية والإبداعية.

ويتجلى التعدد في هذه التجربة، تعددًا هادفًا؛ بوصفه ثراءً إبداعيًّا وقيمةً سلوكية. تحكمها مرجعية سردية، ذات خطوات محسوبة ومتأنية في قراءتها لمسارات الحياة وتطوراتها وتقاطعاتها. كذلك، هي هذه التجربة في التقاطها الاستثنائي من مسارات الحياة ما يرفد مساراتها الحيوية. تلك المسارات الفاعلة في تخصيب التجربة الحياتية والكتابية. من خلال إثرائها بِقِيَمِ التعددِ والشغفِ، في تنويع الاشتغال عليها. ضمن أنساقٍ إبداعية متجددة، تبلورت سمةً خاصة بتجربة وجدي الأهدل. تلك التجربة، التي لم تأتِ هذه السطور احتفاءً بها. بقدر ما هي مقاربة لسمةٍ مهمةٍ، وذات حضورٍ جوهري في حياة الكاتب واشتغالاته الكتابية والثقافية المتنوعة.

نسق كتابة القصة القصيرة

الانطلاقة الأولى لتجربة وجدي الأهدل وأنساق التعدد في اشتغالاته الكتابية، تبدأ من نسق كتابة القصة القصيرة. وقد كان العام 1997 فاتحة التجلي التأليفي في هذه التجربة عامةً، وفي هذا النسق منها بوجهٍ خاص؛ ففي هذا العام احتفى الكاتب بإصداره الأول، مجموعته القصصية: “زهرة العابر”(2). كما كان العام ذاته فاتحةَ التميُّز في هذه التجربة. من خلال هذا النسق أيضًا. نسق كتابة القصة القصيرة. إذ فاز الكاتب فيه بجائزة العفيف الثقافية في مجال القصة القصيرة.

وكان العام التالي 1998 موعدًا للاحتفاء بإصدارين اثنين؛ إذ صدرت فيه المجموعة القصصية الثانية: “رطانة الزمن المقماق”(3)، والمجموعة الثالثة: “صورة البطال”(4).

وبعد عامٍ، عاود التّميُّزُ إضاءةَ هذه التجربةِ، في نسقها السردي القصصي. حينما تجسّد في استحقاق الكاتب لجائزة رئيس الجمهورية للشباب. في مجال القصة القصيرة، 1999.

واستهلت قيمة التعدد ــ في تجربة الأهدل السردية ــ العقد الأول من الألفية الثالثة بإصدار جديد، في النسق الكتابي نفسه، تمثّل في مجموعته القصصية: “حرب لم يعلم بوقوعها أحد”(5).

بعدها، استحوذ نسق الكتابة الجديد في هذه التجربة (الرواية) ــ بمعية أنساق ثقافية وإبداعية أخرى ــ على الحضور التأليفي في نسق الكتابة القصصية. لكنه استعاد ألَقَهُ بعد ما يزيد على عقدٍ ونصف، بصدور مجموعتين قصصيتين في عام واحد. الأولى:  “ناس شارع المطاعم”(6)، والثانية: “وادي الضجوج”(7). وصولًا إلى أحدث تجليات هذا النسق في العام 2020، الذي صدرت فيه مجموعة الكاتب القصصية “التعبئة”(8). وفي العام التالي، الذي احتفت فيه هذه التجربة بإصدار “الأعمال القصصية”(9)، الذي ضم ست مجموعات قصصية.

نسق الكتابة الروائية

أفصح العام 2002 عن نسق جديد في تجربة الكاتب السردية، تمثّل في الكتابة الروائية؛ إذ صدرت فيه روايته الأولى “قوارب جبلية”(10)، التي ترجمتها المستعربة “سارة رولفو”، إلى اللغة الفرنسية عام 2011”(11).

وصدرت روايته الثانية “حمار بين الأغاني”، عام 2004(12)، وحظيت ــ هي الأخرى ــ بترجمتها إلى اللغة الإيطالية، في 2010. على يد المستعرب الإيطالي (فرانشيسكو دي أنجيلوس)(13).

وبعد سنواتٍ ثلاث، كان المشهد الثقافي اليمني والعربي على موعدٍ مع الرواية الثالثة للكاتب وجدي الأهدل: “فيلسوف الكرنتينة”(14). التي وصلت إلى القائمة الطويلة في جائزة البوكر للرواية العربية في دورتها الأولى، عام 2007. وبعد عامٍ صدرت روايته “بلاد بلا سماء”(15).

ثم بعد عقدٍ من السنين ــ (2018) ــ صدرت روايته “أرض المؤامرات السعيدة”(16)، التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع الآداب، في دورتها الثالثة عشرة، 2018 ــ 2019. ثم صدور أحدث أعماله الروائية “السماء تدخن السجائر”، عام 2023(17).

“بلادٌ بلا سماء”

حظيت رواية “بلاد بلا سماء” ــ في هذا النسق من تجربة الأهدل ــ باهتمامٍ واسع، وترجمات متعددة، إذ ترجمها إلى اللغة الروسية، (أفسيفولود بوبوف)(18). وترجمها إلى اللغة الإنجليزية البُروفيسور (وليم مابنارد هتشيننز)(19)، وفاز عن ترجمته ــ هذه ــ بجائزة سيف غباش ــ بانيبال للترجمة 2013.

كما اختيرت النسخة الإنجليزية ــ من هذه الرواية ــ ضمن قائمة أفضل مئة رواية، يجب أن تُقرأ عن الغموض والجريمة في جميع أنحاء العالم. ثم تأتي ترجمتها إلى اللغة التركية، على يد كل من: الدكتور يوسف كوشلي، وسوسو يونسو(20).

نسق السيناريو والمسرح

من السياقات التي ظهرت فيها تجربة وجدي الأهدل وأنساق التعدد فيها، ما تضمّنه فرع “السيناريو”، من هذا النسق في تجربة الأهدل المتعددة، في كتابته لسيناريو الفلم الروائي: “الأغنية المسحورة”(21). وكذلك، في كتابته لسيناريو الفيلم السينمائي القصير: “الشاعر”(22). ثم في مؤلفه الخاص بهذا السياق: “اخرج يدك من جيبك واكتب سيناريو”(23).

أمّا فرع “المسرح”، فقد بدأ تميُّزًا تأليفيًّا. تجسّد في فوز الكاتب بالمركز الأول في التأليف المسرحي، في مهرجان الشباب العربي التاسع، في الإسكندرية عام 1998، عن مسرحية “زفاف العقيد”. ثم تجلى هذا الفرع في إنجاز تأليفيٍّ آخر، تمثّل في تأليف الكاتب لمسرحية: “السقوط من شرفة العالم”(24).

ويمكن القول إن تجربة وجدي الأهدل قائمة ــ في بعضٍ من مساراتها ــ على استثمار آلياتٍ فنية متعددة. على اختلاف الدوائر الفنية التي تنتمي إليها هذه الآليات. وبما يعزز من حيوية هذا النسق في تجربته الكتابية والثقافية.

من ذلك، استئناس الكاتب بآلياتٍ ذات طابعٍ مسرحي وسينمائي، في كتاباته السردية الروائية والقصصية. منها ما ورد في روايته “بلاد بلا سماء”، التي كان استئناسه بتعدد الآليات الفنية فيها فاعلًا في اتخاذها مادةً سينمائية، إذ حُوِّلت إلى فيلم سينمائي، عنوانه: “سما”(25). كما اقتُبِست من الترجمة الإنجليزية للرواية نفسها مسرحية: (A Land Without Jasmine)، التي عُرضت على خشبة مركز (باترسي) للفنون، بلندن في الفترة (4 ــ 6) إبريل/ نيسان 2019.

وبذلك، فإن تجربة وجدي الأهدل وأنساق التعدد في الاشتغال عليها، لها دورها الفاعل في تجويد تجربة الكاتب السردية، كونها تتماهى مع جوهر هذا النوع من الكتابة الأدبية، بحسب رؤية الكاتب، التي يقول فيها إن هذه الأنساق كلها: “تصب في مسار واحد هو (السرد)، ومزاولة كل نوع منها يضيف إليَّ تقنيات فنية معينة، فمثلًا استفدت من تجربة كتابة السيناريو، ووظفت البناء المشهدي والصورة البصرية في كتابة الرواية والقصة، [و] المسرح علمني كتابة الحوار مزدوج المعاني”(26).

نسق كتابة المقال

يتمثّل هذا النسق فيما ينشره الكاتب من مقالات صحافية. يغلب عليها أن يكون فيها متعاطيًا مع كثيرٍ من الإشكالات الثقافية والإبداعية والقضايا الاجتماعية والسياسية، لا سيما ما يتعلق منها بثيمات الكتابة الروائية.

وفي هذا السياق، تندرج كتابته لمقالات تحليلية. يتناول فيها نماذج من المنجز الروائي ــ والعالمي منه بوجه خاص ــ لا سيما ما يتفرد منه بمستوىً فنيٍّ وفكريٍّ عالٍ ومغاير. ومثل ذلك هي كتابته مقالاتٍ تحليليةٍ، لكثيرٍ مما تنتقيه ذائقتُه القرائيةُ من الكتب والإصدارات المتنوعة.

تمثّل كتابة المقال نسقًا من أنساق تجربة الكاتب، يستوعب كل ما يشعر الكاتب أن لديه رؤيةً فيه، بما في ذلك التجارب الأدبية التي حظيت بواحدٍ من إصداراته(27)، ضمّنه عددًا من المقالات، التي أضاء فيها فضاءاتٍ جماليةٍ وفكرية، في تلك التجارب الإبداعية.

نسق العمل الثقافي

تتجانس فضاءات الاشتغال الكتابي في تجربة الأهدل، مع سياق العمل الذي تولاه في أكثر من مؤسسة. وهو الأمر الذي تشكل منه هذا النسق في تجربته؛ إذ عمل موظفًا في الهيئة العامة للكتاب. ومديرًا لبيت الثقافة في مدينة صنعاء. كما تولى إدارة التدريب والتأهيل في وزارة “الثقافة”. وإدارة تحرير مجلة “الثقافة”. وغير ذلك من الأعمال المندرجة في هذا السياق. الذي تمثّلت أحدث محطاته، في تولي الكاتب إدارة التحرير في دار عناوين بوكس للنشر والتوزيع في القاهرة 2024.

كذلك، تأتي في هذا المنحى ــ من تجربته المتعددة ــ مشاركاته في الفعاليات الثقافية والإبداعية. ومثلها عضويته في تحكيم جوائز أدبية. وحرصه على تبصير هواة الإبداع والكتابة بمسارات هذا الفضاء الجمالي والثقافي.

لم تكن تجربة وجدي الأهدل وأنساق التعدد فيها ــ على اختلاف سياقاتها الإبداعية والثقافية ــ عفويّةً، بقدر ما مثّلت ــ وتمثِّل ــ منهجيةً خاصة بالكاتب. تُمكّنه من المحافظة على حيوية إنجازه الإبداعي. والمحافظة على سعادته في استمراريته. إذ يشير إلى ذلك بالقول: “الكتابة مغامرة ممتعة، والمؤلف يشعر بالسعادة عندما يصل عمله إلى الناس. لذلك أسعى إلى الكتابة في عدة مجالات إبداعية، وهذا التنويع يكسر رتابة الكتابة في نوع كتابي محدد”(28).


  1. وُلد الكاتب والروائي اليمني وجدي الأهدل، في محافظة الحديدة، عام 1973. درس المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدينة “باجل”، والمرحلة الثانوية في مدينة “صنعاء”. والتحق بكلية الآداب ـ جامعة صنعاء، وحصل منها على شهادة البكالاريوس عام 1996. اخْتير ضمن أفضل 39 كاتبًا عربيًّا تحت سن الأربعين في مشروع “بيروت39″، الذي نظمته مؤسسة (HayFestival ) هاي فيستفال للآداب البريطانية 2009. ↩︎
  2. صدرت عن مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 1997. ثم صدرت طبعتها الثانية، عن دار عناوين بوكس، في القاهرة، 2021. ↩︎
  3. صدرت عن الهيئة العامة للكتاب، صنعاء، 1998. ↩︎
  4. صدرت عن دار أزمنة، عمان، 1998م. ↩︎
  5. صدرت عن مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 2001م. ↩︎
  6. صدرت عن مؤسسة أروقة للترجمة والدراسات والنشر، القاهرة، 2017. ↩︎
  7. صدرت عن الأمانة العامة لجائزة الدولة للشباب، صنعاء، 2017. ↩︎
  8. صدرت عن دار هاشيت أنطوان ـ نوفل، بيروت، 2020. ↩︎
  9. صدرت عن دار عناوين بوكس، القاهرة، 2021. ↩︎
  10. صدرت طبعتها الأولى، عن مركز عبادي للنشر والتوزيع، صنعاء، 2002م. وفي العام نفسه، صدرت طبعتها الثانية، عن دار رياض الريس بيروت. ↩︎
  11. دار النشر التي صدرت عنها هذه الترجمة في يناير من العام نفسه 2011، هي دار (bachari)، في باريس. ↩︎
  12. صدرت طبعتها الأولى عن دار رياض الريس، بيروت، 2004. ثم صدرت طبعتها الثانية، ضمن سلسلة آفاق عربية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2011. ↩︎
  13. صدرت هذه الترجمة الإيطالية، لرواية “حمار بين الأغاني”، عن دار النشر (poiessis)، في مدينة “باري”، إيطاليا، مايو 2010. ↩︎
  14. صدرت الرواية، عن مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 2007. ↩︎
  15. صدرت الرواية في طبعتها الأولى، عن مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 2008. والطبعة الثانية، عن دار التنوير، بيروت، 2012، والطبعة الثالثة، عن دار نقش، صنعاء، 2020. ↩︎
  16. صدرت عن دار هاشيت أنطوان، نوفل، بيروت، 2018. ↩︎
  17. صدرت عن دار هاشيت أنطوان، بيروت، 2023. ↩︎
  18. نشرت هذه الترجمة كاملة مجلة (تشوتكي) الروسية، أكتوبر 2011. ↩︎
  19. صدرت ترجمتها ــ هذه ــ عن دار النشر: (garnet)، في لندن، سبتمبر 2012. ↩︎
  20. صدرت هذه الترجمة عن دار النشر: (Ametis)، في أنقرة، 2020. ↩︎
  21. صدر عن مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 2006. ↩︎
  22. صدر عن مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 2012. ↩︎
  23. صدر عن دار عناوين بوكس، القاهرة، 2021. ↩︎
  24. صدرت عن مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 2007. ↩︎
  25. الفيلم: سيناريو وإخراج: عمار الربصي. وبطولة: مصطفى سفراني، ونسيمة لوعيل. الجزائر، 2014. ↩︎
  26. علي الرباعي، “الروائي الأهدل: مهمتي فضح الفاسدين”، صحيفة عكاظ، 23 ديسمبر، 2022. ↩︎
  27. كتابه: “قامات أدبية، مقالات”. صادر عن دائرة الثقافة بالشارقة، 2021. ↩︎
  28. سماح عادل، “وجدي الأهدل: غاية الروايات إحداث تغيير في وعي المجتمع”. (حوار). كتابات، 27 يناير، 2021. ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *