جماليات الكتابة السردية الجديدة في مجموعة قطرات روح

جماليات الكتابة السردية الجديدة في مجموعة “قطرات روح”

جماليات الكتابة السردية الجديدة في مجموعة “قطرات روح”

د. عبده منصور المحمودي

في مجموعتها القصصية “قطرات روح”، تتعاطى الكاتبة اليمنية نجاح الشامي، مع العلاقة القائمة بين المرأة اليمنية والمحيط الاجتماعي. بما فيه من هيمنة للثقافة الذكورية، التي تعد امتدادًا لثقافة ذكورية عامة في المجتمع الشرقي. وفي تعاطي الكاتبة مع هذه الهيمنة، تتجلّى جماليات الكتابة السردية الجديدة. في سياقات فنية وموضوعية مختلفة.

ومن خلال هذه المقاربة النقدية لهذه المجموعة، يمكن توزيع التناول النقدي لجماليات الكتابة السردية الجديدة فيها. وفقًا لأربعة محاور، هي: عنوان المجموعة ولوحة غلافها. تقنيات الكتابة السردية. اللغة السردية. المضامين الاجتماعية.

[1]: العنوان ولوحة الغلاف

يمثل عنوان أي عملٍ إبداعي العتبة الأولى فيه. ومن خلالها يلج المتلقي إلى تفاصيله. وقد كان عنوان هذه المجموعة القصصية “قطرات روح”. بصيغته التي بُنيت من نكرتين اثنتين (قطرات/ روح)، الثانية منهما مضافة إلى الأولى.

[1ــ1]: قطرات روح

أضفى التنكير على العنوان ممكناتٍ دلالية. أفضت إليها الدلالة غير المحدودة، بما فيها من عمومية متجاوزة الدلالة القطعية. وبذلك، اكتنز العنوان إيحاءً بأن كل نصٍّ من نصوص هذا العمل، يمثّل قطرة من روح (المرأة/ الكاتبة). لا سيما فيما يتجلى من علاقة بين عنوان العمل وعناوين نصوصه. فهو واحدٌ من العتبات الداخلية للنصوص. تحديدًا في عنوان النص “قطرات من روحي”(1). مع تحوير بسيط، مُتَمَثِّلٍ في إضافة الضمير (ياء المتكلم) إلى (روح)، وإضافة حرف الجر (من) بين (قطرات) و(روحي).

وبصيغة التحوير ــ هذه ــ اتسم العنوان بطابعٍ من العمومية. كما مثلَ تجريبًا مخالفًا للسائد عند كثيرٍ من الكُتّاب. أولئك، الذين عادةً ما يكون عنوان إصدارهم/ إصداراتهم، عنوان واحدٍ من نصوص الإصدار، كما هو من دون تحوير.

[1ــ2]: لوحة الغلاف

تَشَكَّل غلاف المجموعة من لوحة فنية. فيها صورة امرأةٍ ممسوحة معالم الوجه. تعلوها فراشةٌ تقطر دمًا. وفي ذلك، رمزية إلى مجتمع الكاتبة، الذي لا يتضح ــ في كثيرٍ من مفاصله ــ تميّزٌ لشخصية المرأة رأيًا وفكرًا وثقافة. كما أن في “الفراشة” رمزية إلى المرأة المجروحة بالسطوة الذكورية المجتمعية.

وإلى ذلك، تحمل الرمزية في “الفراشة”، سعة دلالية. في حالها نازفة الجرح؛ إذ تتسع هذه الدلالة والحال، فتشمل إمكانية الرمزية بها إلى قلب المرأة المجروح الذي يقطر دمًا. ذلك؛ أن “الفراشة”، في لوحة الغلاف كائن جريح، دامي الانطلاق من مكان قلب المرأة في هذه اللوحة الفنية.

وتظهر ــ في نسق جماليات الكتابة السردية الجديدة ــ علاقة دلالية بين ماهية لوحة الغلاف ومضامين نصوص المجموعة. فالكاتبة امرأة، وكثير من النصوص تدور حول المرأة، وتأتي توصيفًا لهذه اللوحة. كما أن الفراشة الموجودة رسمًا في اللوحة، وردت لفظًا مسبوقًا بحرف الجر (الكاف)، الدال على تشبيه المرأة بالفراشة. في موضعين من نصوص المجموعة، الموضع الأول، في النص الذي حُوِّرَ عنوانه عنوانًا للمجموعة “قطرات من روحي”. في هذه الجملة السردية:

“وأحاول أن أطير كفراشةٍ صنعتَها يومًا فيحرقني ضوؤك…”(2).

والموضع الثاني، ورد في النص “دوائر”:

“… لترتمي كلماتي المتواطئة مع قلبك كفراشة بللها المطر على عجل”(3).

كما إن لعنوان المجموعة ارتباطًا دلاليًّا آخر بلوحة الغلاف. فـ (قطرات روح) في العنوان، هي قطرات الدم ــ تلك ــ النازفة من جسد (الفراشة) وروحها، في لوحة الغلاف.

وبهذه التعالقات الدلالية ــ البصرية واللفظية بين العنوان ولوحة الغلاف، امتدادًا إلى تعالقاتهما مع نصوص المجموعة ــ تتجسّد فنية التجانس النسيجي. في بُنية هذا العمل: عنوانًا، ولوحةَ غلافٍ، ومتنًا سرديًّا.

[2]: تقنيات الكتابة السردية الجديدة

قامت نصوص المجموعة، على عدد من جماليات الكتابة السردية الجديدة، التي تتداخل فيها الأجناس الأدبية ــ تلك الكتابة ــ التي يشير إليها الدكتور عبد العزيز المقالح، في تقديمه لهذه المجموعة. بوصفها كتابة تتواصل مع السردي. وتقترب من الشعر. وتبدأ مسار التجديد السردي المتجاوز لسمات التقليد(4).

وتتضح ملامح من هذه الجماليات، في عددٍ من التقنيات الفنية، التي وُظِّفت في كتابة نصوص هذه المجموعة. منها توظيف: أنماط السرد، والمقابلة، والمفارقة.

[2ــ1]: أنماط السرد

توزّعت نصوص هذا العمل السردي، على نمطين اثنين من أنماط السرد. الأول منهما “ضمير المتكلم”. والثاني “الراوي العليم”.

[2ــ1ــ1]: ضمير المتكلم

في هذا الأسلوب السردي، يروي السارد أحداثًا عن نفسه. بحيث يظهر ضمير المتكلم في نسق السرد. ومن ذلك، هذه الجملة السردية، من النص “وحدي”:

“في إحدى الحدائق الصغيرة .. جلستُ وحدي، أسندت ظهري المنحني على أحد المقاعد محاولة تسويته، ومددت ثلاث أرجل إحداهن كانت عكازًا لم يفارقني منذ أعوام”(5).

ومن النصوص التي سُرِدت على لسان ضمير المتكلم، النصوص: “مدينتي”. و”قطرات من روحي”. و”الأمس”. و”موعد”. و”دوائر”. و”سلالم”.

[2ــ1ــ2]: الراوي العليم

في هذا النمط السردي، يكون الكاتب قادرًا على بناء عالمٍ تخييلي قصصي غني واسع ومعقد، على حد تعبير الدكتورة يمنى العيد(6). وقد استأنست مجموعة “قطرات روح”، بهذا النمط، في التعاطي مع تفاصيل من الحياة المتعلقة بالرجل والمرأة على حدٍّ سواء.

من ذلك، حديث الراوي العليم عن تفاصيل من حياة الرجل. في النص “الوحش”: “سار ببطء، ثم آب راجعًا، عندما أحس صوتًا كحفيف الأفعى لامس أذنيه …”(7).

ويقول الراوي العليم أيضًا: “وبإصرارٍ أغمض عينيه بقوة ثم أخرج من جيبه خنجرًا وبدون أن يفكر هوى به على ظهر وأماكن متفرقة من جسد غريمه”(8).

وعلى هذا النسق، سرد الراوي العليم، في مجموعة “قطرات روح” أحداثًا متعلقة بالرجل في النصوص: “مبتدأ”. و”خمس دقائق”. و”خصوصيات”. و”مرآة”. و”أشباح”. و”يوم بالإنجليزية”. و”رسائل”. و”قطعة إسفنج”.

ومن تفاصيل حياة المرأة، المروية بهذا النمط السردي، النص “البرق”. فالمرأة فيه: “دلفت إلى المطبخ بعد أن أحكمت إغلاق جميع النوافذ .. أشعلت النار في الموقد، فانتشر الدفء في أركان المنزل، وشعر الجميع بالنشوة…”(9).

كما سُردت بهذا النمط السردي سياقات متعلقة بحياة المرأة. في النصوص: “تسوق”. و”دفء”. و”السنابل”.

وتظهر المواءمة ــ باعتبار النوع ــ في توزيع نصوص المجموعة على هذين النمطين. إذ اقتصرت في أسلوب “ضمير المتكلم” المتحدث عن نفسه، على نصوص متعلقة تفاصيلها بحياة المرأة. أما الرجل (الغائب)، فقد كان نصيبه النمط الثاني (الراوي العليم). وكان بإمكان الكاتبة تقمص شخصية الرجل، وسرد بعض تفاصيل حياته، بأسلوب ضمير المتكلم.

[2ــ2]: المفارقة

مثّلت تقنية “المفارقة” واحدةً من جماليات الكتابة السردية الجديدة في هذه المجموعة القصصية. من ذلك، المفارقة في هذه الجملة السردية:

“كان الطريق الضيق مكتظًّا بالمفاجآت”(10).

فبُنية المفارقة ــ هنا ــ قائمة بين معطيين: الطريق المحسوس الموصوف بصفة “الضيق”. والمفاجأة المجردة الموصوفة بالكثرة.

ومثل ذلك، ما نجده من مفارقة بين شعورين: الأول، شعور الفتاة المُعذّبة شوقًا للوصول إلى موعد لقائها بحبيبها. والثاني شعور هذا الحبيب البعيد عن شعورها، وعمّا رسمته له مخيلتها، من شعورٍ متجانسٍ مع شعورها المتجسد في قولها:

“قلبي كان قد استقل دراجة نارية وسبقني منذ أكثر من ساعة، فبقيت قدماي تعد الخطى وتقيس المسافات ابتداءً من المليمترات وحتى الكيلومترات المكعبة .. وحينما وصلت كان جسدي باردًا كتمثالٍ من الجليد ووجدت قلبي مُتهللًا مستبشرًا بين يديه…”(11).

وجاء شعور الحبيب المختلف عن هذه الأحاسيس، بمفارقة مضحكةٍ. حينما تحدث إليها:

“قال لي وهو يفرد شفتيه بثقة لتبرز منهما ابتسامة بريئة وقد أحكم أسنانه عليهما بعضةٍ خفيفة: “معك سلف؟””(12).

[2ــ3]: المقابلة

في تقنية المقابلة ــ القائمة بين متناقضين ــ تجسّدت واحدة من تقنيات الكتابة السردية الجديدة في هذا العمل. من مثل هذه المقابلة، بين (الصبح/ والليل). في النص “أشباح”:

“عندما تسلل الصبح توارى الليل بطيئًا، فرأى كل أصحابه…”(13).

ومن ذلك ــ أيضًا ــ هذه المقابلة اللطيفة. في نص “البرق”. القائمة بين رقص أغنيتين متناقضتين في مشاعرهما حزنًا وسعادة:

“حينما انتهى رقص المطر .. بدأ رقص آخر لأغنية الموت … “(14).

فرقْصُ المطر، يوحي بدلالةٍ ضمنية على السعادة. أمّا الرقص الآخر، فقد حمل دلالة الحزن الراقص، على إيقاع أغنية الموت الكئيب.

[3]: اللغة السردية

لغة المجموعة ــ بشكل عام ــ هي اللغة العربية الفصحى، قريبة المعنى المسيّج بتمَنُّعٍ شفّاف. سرعان ما ينجلي، بشيءٍ من التمعن في لغة النص لحظة التلقي.

[3ــ1]: شعرية اللغة السردية

تتسم لغة العمل، بسمات اللغة الشعرية. المشحونة بطاقاتٍ دلاليةٍ، متجسدة في جماليات فنية (سرد شعرية). وهو ما أشار إليه الدكتور عبد العزيز المقالح في تقديمه للمجموعة. فقال: إنها “سيمفونية تتخذ من اللغة موسيقاها وإيقاعها، وتحاور الأشياء وتتأملها بطريقة عميقة، لا غموض فيها، ولا تشي بوضوح تام”(15).

ومن إشراقات هذه اللغة الشعرية، في نصوص المجموعة. هذه الإشراقة، من النص “دفء”:

“الأحاسيس هنا مختلفة .. في عينيها بحيرتان واسعتان عذبتان تحوطهما أعشاب كثة شديدة الاخضرار”(16).

ومثل ذلك، هو الإشعاع اللغوي الشعري. المنبثق من النص “مرآة”. في جملة “المشتعل فرحًا”، صفةً للوادي:

“ألقى بنظراته الحائرة على الشعاب والمساكن المبعثرة فوق التلال، وبين أحضان الوادي المشتعل فرحًا”(17).

[3ــ2]: المطر، الريح، الحلم

ويبدو أن لغة المجموعة قد اتخذت من الألفاظ: (المطر، الريح، الحلم) مساراتَ تبلُورٍ لحقلها الدلالي.

[3ــ2ــ1]: المطر

يحمل لفظ (المطر)، في لغة النصوص نوعًا من دلالة التفاؤل الضمنية. المقرونة بدلالة الانتشاء للفظ (الرقص). المتعلق بالموسيقى والغناء. ونجد ذلك في مواضع من نصوص المجموعة. كما في أول نصوصها:

“والمطر يعزف سيمفونيته الجميلة إيقاعًا مميزًا …”(18). وأيضًا: “على إيقاع المطر .. تشارك أصوات الزغاريد والطبول الرياح عزفها الأبدي الخاص…”(19).

وفي مواضع أخرى، نجد شواهد ذلك. من مثل ما في النص “البرق”. كالقول:

“رقصت قطرات المطر على النوافذ والأبواب وقارعات الطرق”(20). و”حينما انتهى رقص المطر…”(21).

كما يرد لفظ “الصيف” ــ المرتبط بالمطر ماهيةً وجوهرًا ــ في مواضع يحمل فيها ضمنية تلك الدلالة. من مثل:

“فكان لديها صيف خاص وعصافير كثيرة”(22).

[3ــ2ــ2]: الريح

وورد لفظ (الريح)، في لغة المجموعة، بصيغتي الجمع والإفراد، مُتّصِفًا بصفة “الأنين”، مُتضَمِّنًا الدلالة على الخوف والحذر.

ويتضح ذلك بالنظر إلى بعض المواضع. التي ورد فيها هذا اللفظ. من مثل:

ــ “الرياح تئن وسط سكونٍ يكاد يكون أبديًّا…”(23).

ــ “الرياح تئن في الأرجاء الخالية من البشر…”(24).

وورد هذا اللفظ ــ أيضًا ــ غير ملازمٍ للفظ (الأنين). مع احتفاظه بدلالة الخوف تلك. كما في هذين الموضعين:

ــ “مع عصف الريح في الطريق الضيق”(25).

ــ “صفير الرياح يعوى في هذا الظلام …”(26).

[3ــ2ــ3]: الحلم

تأتي مفردة “الحلم” مُكَوِّنًا آخر، من مكونات الحقل الدلالي، الذي قامت عليه لغة هذا العمل. فالحلم منبع ثري، كونه يمثل خبرة شخصية لذلك الأساس العميق المظلم، الذي يعد دعامة حياتنا الواعية ـ بحسب رؤية “جوزيف كامبل”(27). لذلك، نجد “الحلم” مُتصَدِّرًا صفحة إهداء هذه المجموعة السردية:

“عندما كان الحلم سنابل قمح وشمعة أضاءت عتمة القلب…”(28).

كما ورد الحلم، في مواطنَ مُمازِجًا الحقيقة، ومختلطًا بها، حدّ اختفاء الملامح فيما بينهما. من مثل هذا التمازج:

“عانقت الهواء الرطب .. واحتضنت بعينيها حلمها الضيق كان جميلًا كالحلم .. لكنه حقيقة اللحظة …”(29).

وإلى ذلك، فقد مثّل “الحلم” رافدَ إلهامٍ إبداعيٍّ. يداهم المبدع بشكل مفاجئ. فيُخلّد لحظته في نصوصٍ فنية:

“أمسكت قلمي وفرشت أوراقًا كثيرة، كنت قد اشتريتها جملة حتى لا أكون مضطرة إلى شراء أوراق إضافية لحظة حلم طارئة”(30).

[4]: مضامين الحياة الاجتماعية

يمثل المجتمع ــ على مختلف مجالاته ــ التجليات الواقعية في العمل الإبداعي. إذ للواقع فائدة حتمية في العمل الأدبي ــ والواقعي منه خاصة ــ بحسب توصيف “محمد خضير”. حينما يقول: “إن قيمة الدرس الواقعي تكمن في معرفة الواقع، واقع الحياة، وواقع الكتابة، غزارة المرجع، وحدود النص…”(31).

كما تعدُّ القصة القصيرة أكثر مناسبة لطبيعة المجتمع العربي من سائر الفنون، وفقًا لرؤية “إحسان عباس”. في كتابه “القصة العربية .. أجيال وآفاق”.

وفي هذه المجموعة القصصية، تتجلى جزئيات من تفاصيل واقع الحياة الاجتماعية.

[4ــ1]: ظاهرة الفقر

من تفاصيل الحياة اليمنية التي تضمنتها هذه المجموعة، ظاهرة الفقر. فالفقر هو السبب الرئيس، في استمرار مرض رب الأسرة، وموت زوجته. في النص “البرق”:

“وبجوار إحدى النوافذ كان يقف أربعة يحملون على أعناقهم نعشًا ترقد عليه امرأة .. وخلفهم بدا شبح رجل يسعل .. حاملًا فوق ذراعه طفلًا، وذراعه الآخر ممسك بطفل آخر..”(32).

كما أن الفقر ــ أيضًا ــ هو الذي يقود الفقراء إلى اتخاذ مسالك غير مشروعة، للحصول على المال الذي يعيلون به أسرهم. ويأتي النص “أشباح” مرآة لذلك؛ إذ يذهب فيه الفقير، مع مجموعة من الفقراء ليلًا. فيجلب لزوجته المريض وأولاده الجائعين بعض الأرغفة:

“رفع بصره إلى زوجته الراقدة في سريرها، سمع أنفاسها تتردد فتنفس الصعداء، وحمد الله إنها ما زالت على قيد الحياة، أيقظ أطفاله، وأخرج الكيس من تحت إبطه، ووضعه على فراش زوجته، التي طالعته بتلك العينيين الضارعتين”(33).

[4ــ2ــ1]: المرأة اليمنية

تأتي صورة المرأة واحدًا من المضامين الاجتماعية في المجموعة. إذ يتضح في نصوصها تصويرٌ لبعض تفاصيل حياة المرأة اليمنية، في مجتمعها. سواءٌ في حبها للأرض، أو في علاقتها بالرجل.

كثيرًا ما ورد تصويرٌ لصفة المرأة اليمنية عاشقة للأرض في نصوص الكاتب اليمني محمد عبد الولي. ونجد لصفة المرأة ــ هذه ــ حضورًا في هذا العمل. في النص “سنابل”. الذي صور حب المرأة اليمنية للأرض، وارتباطها بها ارتباطًا نسيجيًّا:

“عندما اكتهلت، وخط الشيب رأسها .. عانقت ذؤابتها الثرى الذي ولدت من ثناياه، وصارت إليه…”(34).

وتبدو المرأة في هذا النص متسمة بالمعاناة والكد والعمل الدءوب. فهي: “تعشق، تحب، وتعطي بلا حدود .. مدتها الشمس شعاعًا لا يعرف الانكسار ..  لثم الجبال والحقول وكل جميل في الكون البديع فحاكت ألف حلم عانق الأرض.. وامتد حتى الشمس. هكذا استطاعت أن تعقد قرانًا بينهما، فصار لها عائلة…”(35).

[4ــ2ــ2]: سلطوية الرجل

أما العلاقة بين الرجل والمرأة، فإنها ــ في هذه المجموعة ــ علاقة محكومة بسلطوية الرجل. فمجتمع المرأة ــ التي تصورها النصوص ــ مجتمع قاصر النظرة إلى المرأة. فهي فيه مكبوتة بهذه النظرة. تكابد مرارة التقاليد الاجتماعية المجَرِّمة للحب. وقد ورد في النص “وحدي”، ما يشير إلى ذلك:

“في شرعنا ممنوع أن يضرب طبل في قلبي فرحًا بالحب”(36).

كما ورد تصوير قيود المجتمع العاطفية، المتمثلة بعادات القبيلة. في النص “قطرات من روحي”:

“أجر آلامي التي ضيعتني وخبأتني وأحرقتني بك .. وأسافر وحدي أنا أنت .. حظي العاثر وعادات قبيلتنا ..”(37).

[4ــ2ــ3]: كسر القيود

ومع هذه القيود الاجتماعية المضروبة حول العاطفة. فإن المرأة تحاول كسر بعضٍ منها. فلا تحرم نفسها من هذه العاطفة الإنسانية. وتطرق باب الحب بإخلاصٍ؛ علها ترضي مشاعر مَنْ تُحب. إذ تتداعى مع همسات مشاعر الحب منذ البداية مخدوعة بها وبرونقها. حتى تصدمها المفاجأة بالحقيقة، حينما ينسحب الحبيب، وتبقى هي وحيدة سائغة لهذه النظرة الاجتماعية القاسية. وهذا ما يصوره هذا الجزء من النص “وحدي”:  

“كنت صغيرة جدًّا حينما ناداني لأول مرة، فتمنيت أن ألبي نداءه، لم يعرف قلبي الصغير إيقاعًا غير إيقاعه. لكنه كان جبانًا .. فبقيت وحدي”(38).

وعلى اصطدامها بهذه المفاجأة، إلا أن للتجربة العاطفية الأولى خلودًا مقدسًا في ذاكرة القلب. وإن كان معلومًا أن المصير هو الفراق:

“سيمر الزمان وصوتك مازال يخدرني، يربكني فأتوحد معك في فرحي ثم في حزني المتدحرج حتى الظلمة.. فإلى أي حد سأذهب بك معك، وإلى أين ستأخذني احتمالاتي.. عبثًا أحاول فقد بدأ العد التنازلي لفراقنا الأول”(39).

[4ــ2ــ4]: الحب وسيلة تسلية

بتلك الصورة العاطفية المثالية، تظهر المرأة في المجموعة. بحيث تخلص في حُبها، الذي لا يمثل عند الرجل إلا وسيلة من وسائل التسلية والترويح. فهو منساق وراء نصائح أصدقائه، الذين يشيرون عليه بذلك. ليجد نفسه ــ في النهاية ــ ظالمًا وخادعًا للمرأة. فيبدو نادمًا على ذلك. في النص “رسائل”. حينما يقرأ رسائل حبيبته، فيحدث نفسه:

“خدعوني بأن الأمر سيكون مجرد تسلية فقط وأننا سنقضي وقتًا ممتعًا معك..”(40).

ومع أن هذا النص يصور شعور الرجل بالندم، إلا أن ذلك غير مجدٍ عند المغلوبة على أمرها:

“في الجهة الأخرى وفي داخل الغرفة المظلمة، ثمة جسد يرقد على مقعد خشبي هامدًا مثخنًا بالآلام يرفض أن يفتح الباب.. أو أن يتفوه بكلمة واحدة..”(41).

[4ــ2ــ5]: صائد القلوب

لأن الرجل يتعامل في حبه للمرأة وسيلةً للتسلية غير هادفٍ إلى الارتباط بها، فهو يكثر من اصطياد القلوب. فالفتاة في النص “سلالم”، تجد نفسها واحدة من سرب الفتيات، المخدوعات بادعاءات هذا الذي انخدعت بحبه:

“محاصرة أنا بهذا الكم الهائل من الأرقام .. الـ تحشرني بين الأصغر، الأكبر من والـ يساوي .. لأصبح في النهاية مجرد رقم حسابي يقبل القسمة، الجمع والطرح.. لكنه غير قابل للضرب..”(42).

لتصل المرأة ــ في النهاية ــ إلى قناعة وإدراك للواقع، معتبرة التجربة العاطفية درسًا علمها كيف لا تثق في أحد. مستعيدة ثقتها في نفسها. ومتخلِّصة من سطوة ذكرياتها وتجربتها المحزنة:

“قبل اليوم.. لم تكن لدي الجرأة لأن أعد سلالم (درج) منزلي دون أن أجتاز الرقم أربعة، لكني الآن .. عبرت هذا الخوف لأشفى من أربعة.. أنا، أنت، المصعد.. وسلالم كثييييرة في المنتصف..”(43).


  1. نجاح الشامي، “قطرات روح”. ط1، 2008م، ص53. ↩︎
  2. نفسه. ↩︎
  3. نفسه، ص75. ↩︎
  4. نفسه، ص4. ↩︎
  5. نفسه، ص49. ↩︎
  6. يمنى العيد، “الراوي ـ الموقع والشكل”. ط1، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط1، 1986م، ص83. ↩︎
  7. نجاح الشامي، “قطرات روح”. مصدر سابق، ص29. ↩︎
  8. نفسه. ↩︎
  9. نفسه، ص14. ↩︎
  10. نفسه، ص28. ↩︎
  11. نفسه، ص70. ↩︎
  12. نفسه، ص71. ↩︎
  13. نفسه، ص40. ↩︎
  14. نفسه، ص18،17. ↩︎
  15. نفسه، ص5. ↩︎
  16. نفسه، ص22. ↩︎
  17. نفسه، ص34. ↩︎
  18. نفسه، ص7. ↩︎
  19. نفسه. ↩︎
  20. نفسه، ص14. ↩︎
  21. نفسه، ص17. ↩︎
  22. نفسه، ص22. ↩︎
  23. نفسه، ص7. ↩︎
  24. نفسه، ص14. ↩︎
  25. نفسه، ص28. ↩︎
  26. نفسه، ص36. ↩︎
  27. إبراهيم أبو طالب، “الموروثات الشعبية القصصية في الرواية اليمنية، دراسة في التفاعل النصي”. ط1، إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 1425هـ ـ 2004م، ص180. ↩︎
  28. نجاح الشامي، “قطرات روح”، مصدر سابق، ص5. ↩︎
  29. نفسه، ص22. ↩︎
  30. نفسه، ص73. ↩︎
  31. محمد خضير “السرد والكتاب”. كتاب مجلة دبي الثقافية، الإصدار (36)، ط1، مايو2010م، ص26. ↩︎
  32. نجاح الشامي، “قطرات روح”. مصدر سابق، ص18. ↩︎
  33. نفسه، ص38. ↩︎
  34. نفسه، ص42. ↩︎
  35. نفسه، ص43. ↩︎
  36. نفسه، ص50. ↩︎
  37. نفسه، ص55،54. ↩︎
  38. نفسه، ص50. ↩︎
  39. نفسه، 56،55. ↩︎
  40. نفسه، ص67. ↩︎
  41. نفسه، ص68. ↩︎
  42. نفسه، ص78. ↩︎
  43. نفسه، ص79. ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *