الأندلس وتسريد محاكمة الذات العربية مقاربة نقدية في رواية حي البيازين

الأندلس وتسريد محاكمة الذات العربية: مقاربة نقدية في رواية “حي البيازين”

الأندلس وتسريد محاكمة الذات العربية: مقاربة نقدية في رواية “حي البيازين”

د. عبده منصور المحمودي

يتعاطى الكاتب عبد الوهاب سنين في روايته “حي البيازين”(1)، مع سياقات مختلفة من تاريخ الحكم العربي في “الأندلس”. في فترة ضعفه وانكساره، التي أفضت إلى حتمية التداعي مع التحوّلات الفاعلة في أفوله.

يتميز هذا العمل، بمعالجته السردية لهذا الأفول، من زاويةِ محاكمة الذات العربية ومكاشفتها. لا من زاوية إحالة الهزيمة، على عوامل ومشاجب خارجية. كما يتميز في رؤيته السردية، التي انتصر فيها لقيم التسامح والتعايش والسلام. مع إثراء السياقات السردية، بكثير من المضامين الثقافية. لا سيما ما يتعلق منها، بثقافة الأمكنة.

[1] الحيّز الروائي وبُنية الشخصية الروائية
[1ــ1]: الحيز السردي الزمني

يتمثّل الحيز السردي الزمني، في الفترة التاريخية، التي سقطت فيها الأندلس نهاية القرن الخامس عشر الهجري، ومطالع القرن السادس عشر. وباستثناء إشارة تاريخية واحدة عائدة إلى القرن التاسع الميلادي ــ تضمّنت تاريخ بناء جامع مدينة “فاس” بالمغرب(2) ــ فقد وردت عددٌ من الإشارات التاريخية، التي أحالت على هذه الفترة. أولها الإشارة إلى تاريخ سقوط الأندلس، في عام 1492م(3). وآخرها الإشارة إلى تاريخ موت (الكاردينال) عام 1517م(4). وبين هذين التاريخين، وردت إشارات تاريخية إلى: وفاة الملكة القشتالية (إيزابيلا)، عام 1504م(5). وإحراق السلطات الجديدة المخطوطات والكتب العربية واليهودية عام 1511م(6). ووفاة الملك (فرناندو)، عام 1516م(7).

[1ــ2]: الحيز السردي المكاني

يتمثّل الحيّز السردي المكاني، في مدن “الأندلس”. بما هي عليه من خصائص طبيعية فاتنة: “أينما ذهبت في الأندلس ستجد الجمال والماء والخضرة”(8). مع محورية سردية لمدينة “غرناطة”، و”قصر الحمراء” فيها، بما هو عليه من فرادة معمارية؛ “حيث الغرف المزخرفة بالنقوش العربية الإسلامية، وتلك الجدران المرمرية الناصعة البياض، والقباب المكسوة بالفسيفساء بألوانها الزاهية، والنوافذ المزخرفة التي تشبه حدوة الحصان… [لذلك] يراهُ الرائي من الخارج، وكأنه مجرد حصن تحيط به الأشجار ولكنه من الداخل جنة لا يمل منها من يجلس في قاعاتها الفارهة وغرفها المزينة”(9).

كما تتجلى في السياقات السردية صورٌ من خصائص الطبيعة الأندلسية. كفرادة جبل “شيلير”، الذي يظل مكسوًّا بالثلج، حتى مع دخول الربيع؛ فبإمكانك أن “تراه من الأسفل يحتضن قرى البُشّرات، تلك الربى الآسرة المكسوة بأشجار اللوز والزيتون الباسقة”(10).

وفي سياق محورية الحيز السردي المكاني، المتمثل في مدينة “غرناطة”، تأتي مركزيةٌ سردية أكثر احتفاءً بـ “حي البيازين”. أحد أحياء هذه المدينة، الذي يفصله عن “قصر الحمراء” نهرُ “حدُّرة”(11). وهو الحيز المكاني، الذي اتخذ منه العمل عتبته الأولى (العنوان). وإليه انتمت الشخصية الرئيسة “علي بن يسار”، كبير التجار. الذي وُصِفَ بأنه رجلٌ “أربعيني ذو بنية قوية يتمتع بالفروسية، كثير التأنق في ملبسه، يفضل ارتداء جبة من الكتان النيلي المطعّم بالحرير الغرناطي المطرز باللؤلؤ، واسع الثقافة والثراء يعمل في تجارة الأحجار الكريمة والمجوهرات النفيسة، لديه معامل للحدادة في حي البيازين تصنع فيها الدروع الخاصة بالأمراء، كما أنه يمتلك العديد من الدكاكين في قيسارية غرناطة وأسواق البشرات”(12).

[1ــ3ــ1]: بنية الشخصية الروائية

ترتبط بشخصية “ابن يسار” عدد من الشخصيات الأكثر قربًا منه. منها شخصيات كُلٍّ من: ابنته “نور العين”، وأمها المسيحية “ماتيلدا”، ومسؤول معامله “حبيب البلنسي” الذي تزوج من “نور العين”. و”سهيلة” أم “حبيب”، وأخته “حسناء”.

وقد أحال تسريد الأحداث، على الجذور اليمنية، التي تتحدر منها شخصية “البيازي”، و”حبيب”؛ فالأول يشير إلى ذلك بالقول: “جذوري تعود لقضاعة من اليمن”(13). والثاني، ترد إشارة إلى هذا الانتماء، على لسان أخته “حسناء”: “جذور والدي من اليمن فقد أتوا إلى الأندلس بصحبة طارق بن زياد، ومن أجداد والدي الشاعر القضاعي ابن الأبار من شعراء القرن السادس”(14).

وارتبط بهذه الشخصيات تسريد الأحداث، في أيام السلم إبان استقرار الحكم العربي. ثم أيام الصراع بين أقطابه، حتى سقوط “الأندلس”، امتدادًا إلى ما تلى ذلك من ظلم وتعسف، نالت هذه الشخصيّات قسطًا وافرًا منه. لا سيما بعد أن بدأت السلطات الجديدة، في التضييق على غير المنتمين إليها، فهاجر “ابن يسار”، واستقر مع أسرته في المدينة المغربية “فاس”.

[1ــ3ــ2]: تعدد الشخصيات

بمعية شخصية “ابن يسار”، والشخصيات المقربة منه، زخرت الرواية بعدد كبير جدًّا من الشخصيات: منها غير العربية، كشخصيات: الملك “فرناندو” ملك “أراغون”، و”إيزابيلا” ملكة “قشتالة”. و”خون” القائد القوطي. و”ثنسيروس خيمنيس” كبير قساوسة مدينة “طلطيلة”، و”ريبيرا”، و”لوسيا”، و”صوفيا”.

أمّا الشخصيات العربية ــ وهي الشخصيات ذات الكثرة الغالبة ـــ فمنها: السلطان “محمد بن علي”، الشهير بـ “أبو عبد الله الصغير”، الذي وقع في أسر “القوط”، فانتقلت السلطة إلى “علي بن سعد”. ثم السلطان الشهير بـ “الزغل”، الذي انتقل إليه الحكم بعد وفاة “علي بن سعد”.

كذلك، هي الشخصيات العربية: “المحتسب أبو القاسم الرندي”، وابنته “نزهون”، والشيخ “أبو يعقوب الرملي”. والقائد العربي الخائن الأمير “ابن جشعون”، كبير قادة “بهو السباع”، وابنه الأمير “حسام”. و”أحمد بن قمارش”، أحد قادة “جناح السفراء”. و”مصطفى الجيّاني”، المسؤول عن ثكنة “جند شرطة الحمراء”. و”قاسم البستاني”، وابنته “مهجة”. والورّاق “ابن عياض”. والنّساج تاجر “غرناطة”، وابنته “اعتماد”. وابن صانع الخزف “زهير”. والبستاني “جاد”، وابنه “الأشهب”. وعدد كبير من الشخصيات العربية، التي تضمّنها العمل.

وعلى كثرة هذه الشخصيات، فقد أحال البناء السردي، على ما بذله الكاتب من جهدٍ كبير، في السيطرة عليها. بما يعمل على تماسك السياقات السردية، وعدم إرباك القارئ. تمثّل ذلك، في نجاح تسريد الأحداث، من خلال منْحِ أغلب هذه الشخصيات ــ إن لم تكن كلها ــ دورًا حيويًّا فاعلًا في تنامي النسيج الروائي.

[2]: “الأندلس” ومحاكمة الذات العربية

على غير المعتاد من سرديات التباكي على أفول الحكم العربي في “الأندلس”، تأتي المعالجة السردية لهذا الأمر ــ في هذا العمل ــ من زاوية واقعية تشخيصية، أكثر سبْرًا وتوصيفًا وتشريحًا، لأبعاد الهزيمة، وعواملها الداخلية الراسخة في بُنية الذات العربية، المجبولة على البغضاء والتناحر.

[2ــ1]: تسريد منبت الهزيمة

تجلّى هذا التسريد التشريحي للذات العربية، في نسقٍ من التجسير بين الرؤية السردية ورؤى الشخصيات الروائية؛ التي تمثّلتْ هذا التسريد التشخيصي، فورد على لسان عدد منها. من ذلك، ما جاء على لسان السلطان “أبو عبد الله الصغير”، الذي قال فور وصوله إلى الحكم: “نحن العرب تعودنا على الفتك ببعضنا بعضًا لذا ها نحن أصبحنا لقمة سائغة يلكونها ببساطة.. كل ذلك بسبب الأطماع التي أعمت أنظارنا”(15).

كما يأتي تأكيد هذا النسق، على لسان الشخصية الرئيسة “ابن يسار”؛ إذ أشار إلى ذلك، بالقول: “هذا حالنا نحن العرب نغدر ببعضنا البعض إلى أن تقوم الساعة”(16). وإلى ذلك، يشير “حبيب البلنسي”، في سياق حوارٍ وديٍّ، بينه وصديقه المسيحي “أنخل”، ردًّا على سؤاله إيّاه عن سبب ما يمر به من مزاج معكر. رد “البلنسي” عليه بالقول: “آه يا صديقي لست بخير طالما ونحن العرب إذا تملك الدنيء منا استنسر وكان كالضباع التي تفتك بكل من يقف أمامها، لذا لست أنكر أنّ هناك من العرب من رضع من ثدي الوضاعة والرقاعة، ومنهم من لا يكل ولا يمل من الفتك بأخيه بدم بارد”(17). وهنا يتّفق “أنخل” مع صديقه، في هذه الرؤية، مؤَكِّدًا أن “كثيرًا من العرب لا يألون جهدًا في الفتك ببعضهم البعض”(18).

كما ترد رؤية “حبيب” ــ هذه ــ في محاولته تفسيرها، من زاوية غير مرتبطة بالعرب وحدهم، لكنها أكثر رسوخًا فيهم: “الخونة وعبدة المال لا يأبهون لشيء، فهو الداء الذي أوصلنا نحن العرب إلى الضياع والتشرذم”(19). وهو التفسير الذي اكتمل في رؤية صديقه “أنخل”، حينما أشار ــ في سياقٍ سرديٍّ آخر ــ إلى القائد القوطي “خوان”، المتصف بهذه الصفة السلبية التي تجمعه بشبيهه العربي الأمير “حسام”(20).

ولا يقتصر تسريد إدراك هذا النسق التشخيصي على الرجال وحدهم، بل يتجلى نوعٌ من امتداد ذلك إلى رؤى النساء. فهذه “نور العين”، تتحدث مع “حسناء”، بشيءٍ من ذلك، مؤكدة أن العرب “أمّة ممزقة بسبب الأطماع فيما بينهم، والسبب العرش ذلك الداء الذي ابتلي به العرب”(21).

[2ــ2]: تسريد مسار الأفول

يبدأ الاشتغال على تسريد الأفول، من علاقته بهذه الصفة السلبية في الذات العربية. بما في هذه الصفة من استمراء للخيانة، التي تضمّنت الصفحات الأولى من الرواية مشهدًا من مشاهدها، أمام البوابة العملاقة للكنيسة العظمي في مدنية “طليطلة”؛ حيث تقابل الخائن العربي “مع القائد خوان الذي كان بانتظاره، أخرج العربي من كنانته الوثائق الخاصة بأهم ثغور مملكة غرناطة، شكره القائد خوان على وفائه لملكي القوط: إيزابيلا ملكة قشتالة وفرناندو ملك أراغون”(22).

ثم توالى تسريد تداعيات هذه الخيانة، من خلال استيعاب تناميها وعواملها، التي بدأت تتشكّلُ ــ من خلالها ــ ملامحُ السقوط الأولى؛ فهذا الخائن العربي ــ (ابن جشعون) ــ تربطه “علاقة وطيدة بنصارى قشتالة، وهو من جملة الخونة في قصر الحمراء الذين يبيعون الأندلس مقابل حفنة من الدوبلات القشتالية، وطمعًا في التقرب من الملكين فرناندو وإيزابيلا”(23).

[2ــ2ــ1]: تسريد استشراف الخطر

تداعيًا مع تنامي هذه الخيانات، بدأت تتبلور رؤية اجتماعية مُجْمِعة على خطرٍ قادم. بدأ الناس يتحدثون عنه بقلق متنامٍ؛ إذ تحدثت “نور العين”، مع أخت زوجها “حسناء”، عن هذا الخطر، وعن مسؤولية الذات العربية المتباغضة فيه: “آه يا أخية، لما نحن البشر نؤذي بعضنا بهذه القسوة؟ هلّا تعايشنا كما تتعايش هذه الورود والأشجار المتعانقة، أما ترين كيف تنمو في أرض تجمعهم، لتنثر الجمال والسكينة في وجدان من يراها، آه ما أبشع الإنسان عندما ينسلخ من إنسانيته، لذا فنحن العرب لا زلنا نأكل في لحمتنا، حيث لم يبق من تلك اللحمة سوى كسر العظم، وسيُكسر شئنا أو أبينا”(24).

لقد استوعب هذا الحديث استشرافًا لما يترتب على غياب التسامح والتعايش بين ذوي الثقافة الواحدة، من عاقبة قاتمة، آخذة في استوائها المتكامل.

وفي سياق ذلك، تأتي إشارة الشيخ “أبو يعقوب الرملي”، في إحدى خطبه، إلى ضرورة المكاشفة بالحقيقة. التي يغفل عنها العرب الواهمون المتشبثون بماضٍ بائد، غير مستوعبين الواقع، ولا متخذين ما ينبغي عليهم اتخاذه من التدابير المناسبة: “لابد أن نعيش الحقيقة لا الوهم، إذ العرب لا يزالون يتشبثون بالماضي الغابر وراء الحجب”(25). ثم تتجلى هذه المكاشفة على لسانه ــ أيضًا ــ في استشرافه السقوط؛ من استشراء الصراع في بلاط الحكم: “غرناطة ستسقط على يديْ هذين المتصارعين محمد الزغل وابن أخيه محمد الصغير، هذا ما يلوح في الأفق”(26).

[2ــ2ــ2]: تسريد اللحظة القاتمة

بعد استيعاب السياقات السردية، لهذه المسارات التشخيصية والاستشرافية، يتداعى العمل مع تسريد اللحظة القاتمة، التي تجاوزت الاستشراف، لتكون واقعًا مؤلمًا. إذ “تقدمت جحافل من جند الملكين تطأ برجلها وخيلها غرناطة، على إثر ذلك فتحت أبواب قصر الحمراء للملكين في مشهد تنخلع له القلوب، حيث سلم أبو عبد الله الصغير مفاتيح الحمراء لهما… ثم تقدم السلطان يطلب من الملكين أن يغلقا الباب الذي سوف يغادر منه الحمراءَ آخرُ ملوك الأندلس، فذهب بحسب الاتفاق إلى مدينة أندراش من أعمال المرية… مكث فيها ردحًا من الزمن مع أسرته، ولكن أتى القرار من إيزابيلا بإخراجه وحاشيته من الأندلس برمتها… لذلك لم يجد السلطان الصغير أمامه إلّا المغادرة إلى مدينة (فاس) فبكى بكاءً مريرًا.. أدى إلى غضب والدته الاميرة عائشة لتقول له عبارة مؤلمة “ابك كما تبكي النساء على ملكٍ أضعته لم تستطع أن تحافظ عليه””(27).

[3]: ثقافة الأمكنة

تضمّن العمل صورًا محدودة من ثقافة الأمكنة، التي تناسلت فيها أحداثه. منها ما ينتمي إلى نسق الثقافة الشعبية. ومنها ما ينتمي إلى نسق الثقافة العامة، التي كانت سائدة في الحيز السردي المكاني.

[3ــ1]: ثقافة شعبية

نالت الثقافة الشعبية، الخاصة بثقافة الأطعمة والأشربة، بعض الحضور في هذا العمل. منها ما يتعلق بالثقافة الشعبية الأندلسية، كالإشارة السردية إلى مائدة “ابن يسار”، التي كانت “تحوي عددًا من الأصناف والأطباق الغرناطية الشهية كـ (المروزية) الذي يفضله أهالي غرناطة [و] يتكون من الدجاج والخل والعِنّاب، واللوز والكمثرى، وقليل من اللوز المقشر المدقوق، ومن بين الأطباق طبق آخر يسميه أهل غرناطة (بالسُكبَاج)، متبل باللحم والفلفل والخل”(28).

كذلك، تجلّى هذا النسق من الثقافة الشعبية، في المدينة المغربية “فاس” التي آلت إليها حياة “ابن يسار” وأسرته. إذ وردت إشارة إلى أكلة من الأكلات المشتهرة هناك. أكلة “(التارفست) وهي من الأطعمة المشهورة لدى أهل فاس وتعجن من الدرمك … [و] الدرمك هو السميذ وفيه العسل المنزوع الرغوة والقرنفل والزبدة والفانيد”(29).

[3ــ2]: ثقافة أندلسية عامة

أمّا الثقافةُ العامة، فقد تجلّتْ في ثقافة (المكان/ الأندلس)، على وجهٍ خاص. من ذلك، ما ظهر من ثقافةِ إنشادِ الموشح الأندلسي. كما في الإشارة السرديّةِ، إلى إنشاد موشحة “لسان الدين بن الخطيب”(30):

جَادَكَ الغَيْثُ إِذَا الغَيْثُ هَمَى ** يَا زَمانَ الوَصْلِ بِالأنْدَلُس

ومثل ذلك، هو ما وردَ من تسريدٍ لحيويةِ مجلس “ابن يسار”، الذي يحرص فيه على أنْ ينال ضيوفه ما يليقُ بهم من الأنس. من مثل تلك الحال، التي كانتْ عليها إحدى ليالي هذا المجلس؛ إذ استدعى “ابن يسار” فيْها “بعضَ القيانِ وعزفنَ بالعُود والدفوفِ فتعالتْ أصواتُهُنّ بالغناءِ وتغنتْ أنداهُنّ صَوتًا بموشّحةِ أبي بكرِ بن زُهْر(31):

أيُّها السَّاقي إِلَيْكَ المُشْتَكى ** كَمْ دَعَوْناكَ وَإِنْ لمْ تَسْمعِ

جَذَبَ الزّقَ إِليْهِ وَاتَّكَى ** وَسَقانِيْ أَرْبَعًا فِيْ أَرْبَعِ

كمَا تجلّت الثقافةُ الأندلسيّة العامة، في إشاراتٍ سردية، تضمّنتْ مضامين شعرية أندلسية مشتهرة. من مثل هذا البيت، المنسوب إلى زجّال الأندلس “ابن خفاجة”(32):

يَا أهْل أنْدَلسٍ لِلَّهِ دَرّكُم ** ماءٌ وَظِلٌّ وأنْهارٌ وأشْجَارُ

ومثل ذلك، هي الإشاراتُ السرديّة العابرة، إلى شعراء أندلُسيين. كـ “ابن زيدون”، و”شاعر الحمراء بن زمْرك”. أو الإشارة إلى عددٍ من الأعلامِ والأدباء والمؤلفين الأندلسيين.

وفي سياق الثقافة الأندلسيّة العامة، التي وردتْ إشاراتٌ سردية إليها، ما يحيل على المستوى الثقافي، الذي وجدَت فيه المرأة نوعًا من الحرية. من مثل الإشارة إلى أن “نساء غرناطة يفضلن السفور”(33). ليس من زاوية سلبية، ولكن من زاوية الأريحية، التي جرت مجرى العادة الاجتماعية هناك.

كذلك هو الأمر، فيما كانت تحظى به الفتاة، من حرية التصريح بعلاقتها العاطفية مع شاب أحبّتْه وأحبها. وهو ما تجسد في موقفٍ، لم تشعر فيه “نور العين”، بالحرج وهي تتحدث أمام والديها عن “حبيب البلنسي”، مشيرة إلى أنه قد سكن قلبها(34).

كما يظهر سياقٌ مشرقٌ، من الاهتمام الرسمي بالعلم والترجمة؛ ففي إحدى الإشارات السردية تضمينٌ لموقف “ابن عياض الورّاق”، الذي تذكّر فيه “يوم نَسَخَ كتاب (تلخيص الأخلاق لأرسطو) لأبي الوليد بن رشد في مدينة قرطبة، نسخةً كانت رائقة حسنة الخط تكتحل بها العيون، استطاع أن يشتري بثمنها منزله القريب من قيسارية غرناطة”(35).

  1. عبد الوهاب سنين، “حي البيازين”. ط1، دار عناوين بوكس، القاهرة، 2023م. ↩︎
  2. نفسه، ص293. ↩︎
  3. نفسه، ص192. ↩︎
  4. نفسه، ص291. ↩︎
  5. نفسه، ص203. ↩︎
  6. نفسه، ص280. ↩︎
  7. نفسه، ص288. ↩︎
  8. نفسه، ص235. ↩︎
  9. نفسه، ص30. ↩︎
  10. نفسه، ص9،8. ↩︎
  11. نفسه، ص258. ↩︎
  12. نفسه، ص17. ↩︎
  13. نفسه، ص28. ↩︎
  14. نفسه، ص121،120. ↩︎
  15. نفسه، ص191. ↩︎
  16. نفسه، ص28. ↩︎
  17. نفسه، ص50. ↩︎
  18. نفسه. ↩︎
  19. نفسه، ص166. ↩︎
  20. نفسه، ص267. ↩︎
  21. نفسه، ص120. ↩︎
  22. نفسه، ص6. ↩︎
  23. نفسه، ص82. ↩︎
  24. نفسه، ص189. ↩︎
  25. نفسه، ص43. ↩︎
  26. نفسه، ص61. ↩︎
  27. نفسه، ص192،191. ↩︎
  28. نفسه، ص44. ↩︎
  29. نفسه، ص294،293. ↩︎
  30. نفسه، ص34. ↩︎
  31. نفسه، ص46. ↩︎
  32. نفسه، ص15. ↩︎
  33. نفسه، ص74. ↩︎
  34. نفسه، ص77. ↩︎
  35. نفسه، ص157. ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *