المحكية اليمنية والدراسات اللغوية التقابلية في النحو والصرف والأصوات

المحكية اليمنية والدراسات اللغوية التقابلية في النحو والصرف والأصوات

المحكية اليمنية والدراسات اللغوية التقابلية في النحو والصرف والأصوات

د. عبده منصور المحمودي

يفضي تفاعل أيّ مجتمع مع معطيات الحضارة الحديثة، إلى نوعٍ من تداعيه معها، ومحاولته الاستفادة منها، وفقًا للممكن من فلسفته وبنيته الثقافية والفكرية الخاصة.

ومع ظهور علم اللغة الحديث ــ والمنهج التقابلي فيه بوجه خاص ــ امتد ليشمل المحكية. وهو ما ظهر في التعاطي، مع ظواهر لغوية في المحكية اليمنية، من زاوية منهجية تقابلية. لا سيما ما يظهر من ذلك، في دراسات الدكتور عباس السوسوة، لعددٍ من ظواهرها النحوية والصرفية والصوتية.

[1]: نحو المحكية اليمنية والدراسات التقابلية
[1ــ1]: المقابلة بين نحو المحكية اليمنية ونحو الفصحى

لا يدرس البحث اللغوي التقابلي اللغة الفصحى وغيرها من اللغات المنتمية إلى أسرٍ لغوية مختلفة فحسب، وإنما يشمل أيضًا مقابلة اللهجة العامية أو المحكية. سواءٌ بغيرها من اللهجات أو باللغة الفصحى، حيث “لا يقتصر البحث اللغوي التقابلي على دراسة الفروق بين لغتين اثنتين فيمكن أيضًا أن يكون بين لهجة محلية واللغة الفصيحة المنشودة”(1).

[1ــ2]: نماذج من نحو عامية المتنورين في المحكية اليمنية

من هذا القبيل بعضٌ مما درسه الدكتور عباس السوسوة، في كتابه “دراسات في المحكية اليمنية”. من ذلك، ما جاء في تناوله لمستوى “عامية المتنورين”؛ إذ أورد مثالًا مسجلًا من هذا المستوى، وفي الملاحظة الثامنة من ملاحظاته عليه، يقول:

“حاول المتحدث استخدام بعض الألفاظ والتراكيب الفصيحة. مثل: “مُر عليّ” بدلًا من “اجزع لي” أو “اجزع لا عندي” أو اجزع عليّ”. وقد ورد التركيب الأخير “اجزع عَلَيّ” دون كسر اللام. ومثل “مرت على الباب” بدلًا من “جِزِعه جَنبَ الباب” أو “جِزِعا جنبَ الباب””(2).

[1ــ3]: “لاما” و”لوما” بمعنى “لما” أو “حتى”، و”يا” بمعنى “إن”

يقابل السوسوة بين بعضٍ من الصيغ في المحكية اليمنية وما يقابلها في العربية الفصحى؛ إذ تُعد هذه الصيغ مما اصطُلِحَ عليه في الدراسات التقابلية بـ (الصيغ المختلفة)، “وهي الصيغ المتشابهة في معنى معين ولكنها تختلف من حيث صورها”(3).

ومن هذه الصيغ ما جاء في الملاحظتين الثانية عشرة، والخامسة عشرة، من ملاحظات السوسوة، على النص الذي استشهد به على مستوى “عامية الأميين”، في “ذمار”؛ إذ يقول في أول هاتين الملاحظتين(4):

لاما” و “لوما” بمعنى “لما” أو “حتى”.

يقابل السوسوة ــ هنا ــ بين التعبير الدال على غايةٍ ــ أيًّا كانت هذه الغاية زمانية أو مكانية ــ في المحكية اليمنية والتعبير المقابل له في العربية الفصحى. فكلا التعبيرين لا يتشابهان في معناهما فحسب، بل يكادان يتفقان في المعنى، ويختلفان في صورة كلٍّ منهما عن الآخر.

كذلك هو الأمر في ثاني هاتين الملاحظتين؛ إذ يقول فيها(5):

“يا” بمعنى “إن”.

فالسوسوة ــ في هذه الملاحظة ــ يقابل بين التركيب في الفصحى وما يقابله في المحكية اليمنية؛ فالتركيب في المحكية “واللا يا قِد بِه عِشقْ”(6)، ومقابله في الفصحى هو “والله إن”. وبذلك؛ فقد جاء الحرف “يا” في مستوى “عامية الأميين”، في لهجة “ذمار”، بمعنى “إن” في العربية الفصحى. وبذلك، أيضًا، كان المعنى واحدًا، والتعبير عنه بصورتين مختلفتين، في كلٍّ من المستويين اللغويين: عامية لهجة ذمار، والعربية الفصحى.

[2]: صرف المحكية اليمنية والدراسات التقابلية

في دراسة الدكتور عباس السوسوة الصرفية إجراءاتٌ منهجية تقابلية، لاسيما في دراسته للظواهر اللغوية الصرفية، في المحكية اليمنية؛ فقد تضمنت هذه الإجراءات مقابلات بعض الظواهر الصرفية بين المحكية اليمنية والفصحى. وبينها واللغة الهندية. وبين المحكية اليمنية أيضًا والمحكية المصرية.

[2ــ1]: مقابلة صرف المحكية اليمنية بصرف العربية الفصحى
[2ــ1ــ1]: صيغة “فعيل” في المحكية اليمنية والفصحى

في دراسة الدكتور عباس السوسوة لصيغة الجمع “فِعيل” في المحكية اليمنية، قابل بين المفردات التي جاءت على هذه الصيغة في المحكية وأحكام العربية الفصحى. ومن خلال هذه المقابلة وصل إلى ثلاث نتائج، أولها، “أن المفردات التي جاءت على (فَعْلَة) تجمع جمع تكسير في الفصحى على (فِعال) في جمع الكثرة”(7). وهو الأمر الذي جاء به سيبويه، فأشار السوسوة إلى ذلك، ممثلًا له، محيلًا على كتاب سيبويه، بالقول:

“وذلك قصعة وقصاع، وجفنة وجِفان، وشفرة وشِفار، وجَمرة وجمار”(8).

ومثل هذه المفردات تجمع في المحكية اليمنية على صيغة “فِعيل”. وقد تضمنت دراسته لهذه الصيغة أمثلة تطبيقية توضح هذا الأمر. من تلك الأمثلة: اللفظ “قَصْعة” على وزن “فَعْلَة”. وتجمع على صيغة “فعيل”، وعلى صيغة “فِعال”، وعلى صيغة “فِعَل” أيضًا، فيقول:

“قِصيع: جمع قصعة. وتجمع أيضًا على قِصاع وقِصَع…”(9).

ويشير إلى أن هذا الحكم يجري أيضًا على المفردات، التي تأتي في المحكية على وزن “فَعَلة”. مثل: رحَبَة ورَحَبات ورِحاب، ورقبة ورقبات ورقاب(10). فهي مجموعة في المحكية على وزن “فعيل” وفي الفصحى على وزن “فِعال”. بينما المفردات التي تأتي في المحكية على وزن “فَعْل”، فجمعها في المحكية على وزن “فعيل”، وجمعها في الفصحى “في جمع الكثرة تأتي على (فِعال) و(فعول)  و(قليلًا) ما يأتي على (فعيل)!!. “وذلك قولك: كلاب وكباش وبغال. وأما الفعول فنسور وبطون (…) وربما جاء (فعيلا) نحو الكليب والعبيد”(11).

[2ــ1ــ2]: وزنا “مفعال/ مِفعالة” في المحكية اليمنية والعربية الفصحى

في دراسة السوسوة، لوزني (مِفعال/ مِفعالة) اسمًا للمكان ومصدرًا في المحكية اليمنية، يقابل هذين الوزنين بين المحكية والعربية الفصحى؛ فيصل إلى سبع نتائج، توزّعت على المشابهة بين الوزنين في الفصحى والمحكية، والمخالفة. وقد كانت النتيجتان: الأولى، والثانية، ممثلتين للمشابهة بين الوزنين. وتمثلت المخالفة في باقي النتائج، ومن النتائج التي تمثل المشابهة بين الوزنين، هذه النتيجة:

“يأتي مِفعال في المحكية اليمنية اسمًا للمكان يدل على المكان الذي يمارس فيه نشاطٌ من الأنشطة البشرية مثل: محراس، للمكان الذي تمارس فيه الحراسة… وفي الفصحى مثل ذلك كالمرحاض والمشوار والمضمار…”(12).

ومن النتائج التي تمثل اختلاف الوزنين في المستويين اللغويين، مجيء “مفعال” في المحكية اليمنية للدلالة على المكان الذي يكثر فيه الشيء، مخالفًا لمقابله في الفصحى:

“يأتي مفعال في المحكية للدلالة على المكان الذي يكثر فيه الشيء. مثل: مطلاح ومعلاب ومسناف، للمكان الذي تكثر فيه أشجار الطلح والعلب والسنف. أما في الفصحى، فيقابله وزن مفعلة، مثل: أرض مسبعة ومأسدة ومذأبة، للموضع (الذي) يكثر فيه السباع والأسود والذئاب”(13).

وقد اتضح ــ هنا ــ فرقٌ بين الفصحى والمحكية؛ فوزن “مفعلة” اسم مكان في الفصحى، مشتقٌ من الجامد؛ ليدل على ما يدل عليه الوزن “مفعال” في المحكية اليمنية؛ إذ إن “كثيرًا ما يصاغ من الاسم الجامد اسم مكان على وزن “مَفْعلة”، بفتح فسكون ففتح للدلالة على كثرة ذلك الشيء في ذلك المكان، كمأسَدَة، ومَسْبَعَة…”(14).

وقد كان اعتماد السوسوة ــ في مقابلة هذه الأوزان في المحكية ــ على نتائج دراسته لها. وفي الفصحى على ما جاء في كتاب سيبويه من تناولٍ لهذه الظواهر، إذ كان يحيل إليه في مقابلته بين المحكية والفصحى. وكتاب سيبويه، أقدم مصدرٍ يمكن الاعتماد عليه في تأصيل ظاهرةٍ من الظواهر، أو وصفها بهدف الدراسة التقابلية.

[2ــ2]: مقابلة صرف المحكية اليمنية بصرف اللغة الهندية

في دراسة الدكتور عباس السوسوة الصرفية، للألفاظ الهندية المقترضة في المحكية اليمنية، اعتمد إجراءات تقابلية. وعلى أن هذه الألفاظ هندية الأصل؛ إلا أنها صارت جزءًا من هذه المحكية، فكان تعامل المحكية مع هذه الألفاظ وفقًا للسياقات التي تقننها. وقد استخلص السوسوة الفروق بين هذين المستويين اللغويين. من ذلك حديثه عن ظاهرة التأنيث والتذكير لهذه الألفاظ المقترضة، إذ تختلف المحكية عن اللغة الهندية، في التعامل مع هذه الألفاظ، تذكيرًا وتأنيثًا.

وقد مهّد لتوضيح هذا الاختلاف، بمقابلة عامة بين اللغة الهندية واللغة العربية الفصحى والمحكية في ظاهرة التأنيث والتذكير، إذ تتفق جميعها على التفريق في النوع بين مذكرٍ ومؤنث؛ إذ يقول:

“تفرق الهندية في النوع بين مؤنث ومذكر وليس فيها محايد. وكذلك الحال في العربية (والمحكية من بينها). كما أن هناك طائفة من الأسماء الجامدة فيها مقسمة إلى مذكر ومؤنث”(15).

ثم يذكر مظاهر الاختلاف بين المحكية اليمنية والهندية، في التعامل مع الألفاظ الهندية، ومن مظاهر هذا الاختلاف:

أن المحكية عاملت “الألفاظ المنتهية بفتحة قصيرة أو طويلة [a,:a] على أنها مؤنثة في حين أنها مذكرة في الهندية؛ مثل: شولة، نامونة، دقة، يَسَرة (…) إلخ، فيقال: هذي الشولة، من هذي النامونة. والسبب أن الفتحة تتحول إلى هاء، والهاء لاحقة في الاسم العربي دالة على التأنيث في الأسماء والصفات”(16).

وقد كان السوسوة ــ في تناوله ودراسته التطبيقية لهذه الألفاظ ــ يشير إلى هذه المخالفة؛ فمثلًا حينما يتحدث عن اللفظ (دُقّة)، يقول: “الكلمة مذكرة في الهندية ومؤنثة في المحكية”(17)؛ إذ يبين قوله هذا، الفرق بين تعامل المحكية وتعامل الهندية مع هذا اللفظ، فتؤنثه المحكية، وتذكره الهندية.

[2ــ3]: مقابلة صرف المحكية اليمنية بصرف المحكية المصرية

كما يكون البحث اللغوي التقابلي ممكنًا بين لغتين من أسرتين مختلفتين، وبين لهجة عامية (محكية) والفصحى المنشودة، فإنه ممكنٌ، أيضًا، بين لهجةٍ عامية ولهجة عاميةٍ أخرى، أي بين محكية ومحكية.

وللسوسوة إشاراتٌ من هذا النوع من الدراسة اللغوية التقابلية. من مثل هذه الإشارة، التي تتضمن مقابلة بين المحكية اليمنية والمحكية المصرية. وقد جاءت إشارته ــ هذه ــ في شرح الشطر الثاني: “وعياله وقر الدكة”(18)، من البيت الثاني للمشعططة الخامسة، في كتاب “شرح المشعططات السبع”، يقول فيها:

“العيال اسم جمع لا مفرد له في اللغة اليمانية، أما في اللغة المصرية فمفرده (عَيِّل) و(عَيِّلة) وسمي العيال بذلك لأنهم بحاجة لمن يعولهم…”(19).

يقابل السوسوة ــ في هذه الإشارة ــ بين المحكيتين: اليمنية، والمصرية. ويستخلص الفرق بينهما في التعامل الصرفي مع اللفظ “عيال”؛ تمثّل هذا الفرق، في معاملة المحكية اليمنية هذا اللفظ، على أنه اسم جمع لا مفرد له. فيما كان الأمر غير ذلك في المحكية المصرية، فهو فيها، جمعٌ له مفردٌ من هذا الجمع بصيغتين مختلفتين.

[2ــ4]: خصائص دراسة السوسوة التقابلية لصرف المحكية اليمنية

تركزت دراسة عباس السوسوة اللغوية، لمجال الصرف، بإجراءات المنهج التقابلي، في دراسته للمحكية اليمنية؛ فقابل الأوزان الصرفية “فِعّال وتِفعّال”، و”فعيل”، و “مفعال/ مفعالة” بين المحكية اليمنية والفصحى، ليصل إلى وجوه تشابهٍ في التعامل مع هذه الأوزان بين المستويين اللغويين: المحكية، والفصحى. وإلى وجوه اختلافٍ، أيضًا، في التعامل مع هذه الأوزان بين هذين المستويين اللغويين.

كما قابل بين المحكية اليمنية واللغة الهندية، في التعامل مع ظاهرة التأنيث والتذكير للألفاظ الهندية المقترضة في المحكية اليمنية. وبيّن وجوه الاختلاف في التعامل مع هذه الألفاظ، تذكيرًا وتأنيثًا، في اللغتين: المحكية اليمنية والهندية.

وقابل في إشارةٍ بسيطة بين المحكية اليمنية والمحكية المصرية. وبيَّنَ وجه الاختلاف في التعامل مع اللفظ “عيال” في المحكيتين: إفرادًا وجمعًا.

وقد كانت هذه الإجراءات التقابلية ــ في دراسة السوسوة للأوزان الصرفية ــ في إطار منهج الدراسة اللغوية التاريخي، الذي سارت عليه دراسته لتلك الأوزان الصرفية.

كما جاءت إجراءات منهج الدراسة اللغوية التقابلي، بمعية المنهجين الوصفي، والمقارن، في دراسة السوسوة للألفاظ الهندية المقترضة في المحكية اليمنية. في المقابلة بين المحكية واللغة الهندية.

أما الإجراء التقابلي بين المحكية اليمنية والمحكية المصرية، فقد جاء بصفةٍ عارضةٍ، في شرح شطر بيتٍ من أبيات واحدةٍ من المشعططات السبع.

وبذلك، لم يدرس  السوسوة دراسة لغوية تقابلية مجال الصرف، في بحثٍ مستقلٍ يرتكز أساسًا على هذا المنهج. وإنما جاءت مثل هذه الإجراءات التقابلية حاجة(20)، تستلزمها دراسته لتلك الظواهر الصرفية، التي وردت فيها مثل هذه الإجراءات.

[3]: أصوات المحكية اليمنية والدراسات التقابلية

في الدراسة اللغوية عند السوسوة إجراءات تقابلية، في دراسته لبعض  الظواهر اللغوية الصوتية، سواءٌ في المقابلة بين المحكية اليمنية والفصحى، أو المقابلة بين المحكية اليمنية واللغة الهندية.

[3ــ1]: مقابلة أصوات المحكية اليمنية بأصوات الفصحى

في ملاحظات السوسوة، على مثال أورده من مستوى “عامية المتنورين”، في كتابه “دراسات في المحكية اليمنية” إجراءاتٌ تقابلية. من هذه الإجراءات، ما جاء في الملاحظة الرابعة من تلك الملاحظات الأربع، يقول فيها:

“توالي ثلاثة مقاطع قصيرة مفتوحة يليها مقطع طويل مغلق، أمرٌ تكرهه اللهجات اليمنية. ولا تكرهه العربية المعاصرة. ونجد في النص “رَجَمَتُه” بدلًا من “رَجَمَتْه””(21).

ففي هذه الملاحظة مقابلة بين العربية الفصحى المعاصرة والمحكية اليمنية، في تعامل كلٍّ منهما مع المقاطع الصوتية.

[3ــ2]: مقابلة أصوات المحكية اليمنية بأصوات لهجاتها

من الإجراءات التقابلية عند السوسوة، مقابلته بين المحكية اليمنية بصفةٍ عامة ولهجات هذه المحكية. فهو يقابل، مثلًا، بين المحكية اليمنية وبعض لهجاتها، في التعامل الصوتي مع وزني “مِفعال/ مِفعالة” اسمًا للمكان ومصدرًا، فيشير إلى وجود اختلافٍ بين المحكية وبعض لهجاتها في لغة الحياة اليومية، من حيث التعامل الصوتي مع هذين الوزنين، إذ يقول:

“وفي مجال الحديث عن استخدامهما في لغة الحياة اليومية اليمنية نجد فرقًا لهجيًّا صوتيًّا، يتمثل في أن بعض اللهجات، كلهجة مدينة صنعاء وما حولها تكسر ما قبل الهاء في مِفعالة فتقول: مجهالةِ وملعابةِ. وهي تفعل ذلك في كل كلمة تنتهي بالهاء على أي صيغةٍ كانت. كذلك تضم الميم من مِفعال ومِفعالة إذا ولي الميم صامت مفخم كما في مُطهار ومُطلاح”(22).

[3ــ3]: مقابلة أصوات المحكية اليمنية بأصوات اللغة الهندية

في بحثه الخاص بدراسة الألفاظ الهندية المقترضة في المحكية اليمنية، يقابل الدكتور عباس السوسوة بين المحكية اليمنية واللغة الهندية، في تعاملهما صوتيًّا مع هذه الألفاظ. تتعامل المحكية اليمنية مع هذه الألفاظ، وفقًا لقوانينها الصوتية نفسها، وهو ما تفعله اللغات المُقترِضة مع ما تقترضه من اللغات الأخرى.

ويذكر أن في هذه الألفاظ الهندية المقترضة أصواتًا ليست في المحكية؛ “لذلك فهي تستبدل بها أصواتًا من نفس المخرج أو من مخرج قريب، أو تستبدل بها أصواتًا لها الأثر السمعي المشابه لها أو تزيل صفة من صفاتها”(23). وقد كان هذا الاستبدال، على صورتين اثنتين: استبدالٌ قياسي، واستبدالٌ غير قياسي.

[3ــ3ــ1]: صورة الاستبدال القياسي

أورد السوسوة للصورة الأولى ــ صورة الاستبدال القياسي ــ في الجدول التالي(24):

الصوت الهنديالصوت اليمنيالفرق بينهما
PBمهموس « مجهور
ThTنَفَسي « غير نَفسي
DhDنفسي « غير نفسي
GhGنفسي  «  غير نفسي
KhKنفسي  «  غير نفسي
RRارتدادي  «  مكرر غير ارتدادي
Ĉòمركب  «  غير مركب
YGمؤنّف  «  غير مؤنف
AHحركة « صامت حَنجري هو أقرب الصوامت إلى الحركات وهذا مشروط [بآخر الكلمة].

يوضح الدكتور عباس السوسوة ــ في هذا الجدول ــ الصور القياسية لهذا الاستبدال. والألفاظ التي أوردها في بحثه ذاك تطبيقٌ لما في هذا الجدول، فمثلًا، يتحول الصوت (p) في الهندية إلى (b) في المحكية. ومن ذلك اللفظ (بَنكَة)؛ إذ يقول في حديثه عن هذه الكلمة:

“بَنكَة: المروحة الكهربائية. وهي في الهندية [pankha] للمروحة عامة”(25).

وهنا اللفظ الهندي [pankha] هو في المحكية اليمنية [bankha]. أي استخدمت المحكية [b] بدلًا من [p] في الهندية، وإن لم يكتب هذا اللفظ صوتيًّا في المحكية اليمنية، فالسوسوة قد كتب كل هذه الألفاظ في اللغة الهندية كتابة صوتية، واكتفى بكتابة بعضها كتابة صوتية في المحكية اليمنية. ومن الألفاظ التي لم يكتبها كتابة صوتية في المحكية هذا اللفظ. وكان الأحرى كتابة كل الألفاظ كتابة صوتية، في مثل هذه الاستبدالات، أو غيرها من التغييرات اللغوية، صوتية، وغير صوتية.

[3ــ3ــ2]: صورة الاستبدال غير القياسي

أورد السوسوة للصورة الثانية ــ صورة الاستبدال غير القياسي ــ عددًا من الأمثلة، منها المثال التالي:

“تحول التاء طاءً كما في كلمة (طنج)”(26)، فهذه الكلمة في الهندية /tang/(27)، وفي عددٍ من اللغات المحلية الهندية أيضًا [tanga]، [taY](28).

ويضيف أن تعامل المحكية هذا، مع الألفاظ المقترضة، غير مقصورٍ على الأصوات المفردة. بل كان الأمر نفسه في تعامل المحكية مع المقاطع الصوتية لهذه الألفاظ، من ذلك:

“أن المحكية اليمنية التي تكره المقطع الرابع (صامت + حركة طويلة + صامت) في بداية الكلمة، وفي وسطها تحوله إلى مقطعين اثنين: صامت حركة طويلة + صامت حركة قصيرة”(29). ومثل لذلك بكلمة (بالدي)، إذ يقول:

“فكلمة. [pa:l†di] في الهندية مكونة من المقطعين 4+1، وتحولت إلى [ba†li†di]”(30).

[3ــ4]: إجراءات تقابلية في ثنايا مناهج البحث اللغوي

لقد جاءت إجراءات منهج الدراسة التقابلية، في مجال الأصوات، عند السوسوة عابرة ومقتضبة في معرض دراسته للمحكية، سواءٌ في مقابلة المحكية بالفصحى أو باللغة الهندية. وهي قليلة، تأتي حاجة تستلزمها الموضوعات التي وردت فيها هذه الإشارات؛ إذ لم يدرس في بحثٍ مستقلٍ مجال الأصوات دراسة تقابلية، وإنما جاءت إشاراتٍ سريعة ومقتضبة في ثنايا إجراءات مناهج بحثية أخرى، كالمنهج التاريخي في مقابلة المحكية بالفصحى، أو بمعية المنهجين: المقارن، والوصفي، في دراسته للألفاظ الهندية المقترضة في المحكية اليمنية.


  1. محمود فهمي حجازي،”مدخل إلى علم اللغة”. دار قباء، القاهرة، 2001م، ص: (25). ↩︎
  2. عباس علي السوسوة، “دراسات في المحكية اليمنية”. ط2، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 1428هـ ـ 2007م، ص: (60). ↩︎
  3. محمود إسماعيل صيني، وإسحاق محمد الأمين، “التقابل اللغوي وتحليل الأخطاء”. تعريب وتحريرـ عمادة شؤون المكتبات، ط1، جامعة الملك سعود، الرياض، 1402هـ  ـ 1982م، ص: (67). ↩︎
  4. عباس السوسوة، “دراسات في المحكية اليمنية”. مرجع سابق، ص: (71). ↩︎
  5. نفسه. ↩︎
  6. نفسه، ص: (69). ↩︎
  7. نفسه، ص: (112). ↩︎
  8. نفسه. وانظر: سيبويه، “الكتاب”. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. ط2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973 ـ 1979م، جـ3/ ص: (478). ↩︎
  9. نفسه، ص: (109). ↩︎
  10. نفسه، ص: (112)، وانظر: كتاب سيبويه، المصدر السابق، جـ3/ ص: (579). ↩︎
  11. نفسه، وانظر: كتاب سيبويه، المصدر السابق، جـ3/ ص: (567). ↩︎
  12. نفسه، ص: (114). وانظر: كتاب سيبويه، المصدر السابق، جـ4/ ص: (87ـ93). ↩︎
  13. نفسه، ص: (115). وانظر: كتاب سيبويه، المصدر السابق، جـ4/ ص: (94). ↩︎
  14. أحمد الحملاوي، “شذا العرف في فن الصرف”. دار الفكر، بيروت، 1412هـ ـ 1991م، ص: (63). ↩︎
  15. عباس السوسوة، “دراسات في المحكية اليمنية”. مرجع سابق، ص: (175). ↩︎
  16. نفسه. ↩︎
  17. نفسه، ص: (162). ↩︎
  18. ضياء الدين بن جمال الذماري، “شرح المشعططات السبع”. تحقيق وتعليق: عباس علي السوسوة. ط1، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 1428هـ ـ 2007م، ص: (72). ↩︎
  19. نفسه. ↩︎
  20. من المقابلة التي أجراها معه الكاتب، في تعز. يوم الأربعاء: 16 جمادى الأولى 1429هـ ـ  21 مايو 2008م. ↩︎
  21. عباس السوسوة، “دراسات في المحكية اليمنية”. مرجع سابق، ص: (59). ↩︎
  22. نفسه، ص: (116). ↩︎
  23. نفسه، ص: (172،171). ↩︎
  24. نفسه، ص: (172). ↩︎
  25. نفسه، ص: (158). ↩︎
  26. نسفه، ص: (172). ↩︎
  27. نفسه، ص: (167). ↩︎
  28. نفسه. ↩︎
  29. نفسه، ص: (173). ↩︎
  30. نفسه. ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *