الصرف التاريخي والعربية الفصحى
من أهم الدراسات اللغوية العربية لظواهر من الصرف التاريخي في العربية الفصحى، ما نجده في تجربة الأستاذ الدكتور عباس السوسوة، من أبحاث في هذا الاتجاه من الدرس اللغوي العربي المعاصر. من مثل دراساته في: تعدد صيغ الأفعال وما اشتق منها، والتركيب وصوره، والتركيب الأوائلي، وظاهرة الجمع بإضافة اللاحقة “هات”.
[1]: تعدد صيغ الأفعال وما اشتق منها
تعاطى الدكتور عباس السوسوة مع الظاهرة الصرفية في العربية الفصحى المعاصرة “تعدد صيغ الأفعال وما اشتق منها”، بناءً على موقفه من المصوبين اللغويين، الذين كانوا المثير الأول لتوجهه الدراسي اللغوي توجهًا تاريخيًّا. فهو يرى بأن صيغ الفعل تتعدد “في زمنٍ واحد لأداء معانٍ صرفية نحوية كثيرة. وبعض هذه الصيغ قد يكون مستعملًا في عصرٍ دون عصر، وفي معنى دلالي دون معانٍ أُخر”(1). وبذلك؛ لا يكون الثبات في معنىٍ من المعاني لصيغةٍ محددة دون غيرها واردًا في مثل هذه الأحوال. ذلك؛ لأن “الجزم بأن المعنى الفلاني هو للصيغة الفلانية دون غيرها؛ أمرٌ محفوفٌ بالخطأ؛ لأن ذلك يلزم القائل بأنه قد تابع هذه الصيغة في استعمالاتها لدى فصحاء عصر الاحتجاج، ثم لدى كبار الشعراء والكتاب بعدهم، ولم يند عنه شيءٌ منها”(2).
والسوسوة ــ في هــذا ــ غير متفق مـع رؤية المصوبين اللغويين. إذ يرى ذلك “دعوة عريضة استمرأها حاملو عصا التصحيح اللغوي… ولا يكادون يشعرون بالغرابة أو عدم التواضع منهم”(3). ثم يمثل على ذلك، فيقول: “فمن ذلك أن هؤلاء أنكروا صحة استعمال الفعل (تكاتف) ومصدره (التكاتف) المشتقين مجازيًّا من (الكتف) للدلالة على التعاون، وقد جاء ذلك في كلام الجاحظ…”(4).
[1ــ1]: “أسهم” و”ساهم”
من الصيغ الصرفية التي يرى السوسوة أن المصوبين اللغويين لم يكونوا موفقين فيما اتخذوه من موقف إزاءها، صيغة الفعل “أسهم وساهم” الذي يعني المشاركة. ويشير إلى ذلك، بالقول إنهم يصححون الثاني ويخطئون الأول(5). ويدرس ذلك دراسة لغوية تاريخية، مفندًا حجتهم، التي تستند إلى “خلو المعجم القديم منه. غير أن هذه الحجة تجري على الفعل (أسهم) أيضًا، فليس في المعجم أسهم ولا ساهم بمعنى المشاركة”(6).
ويدرس التغييرات الصرفية، التي طرأت على هذه الصيغة بمرور الزمن، وتتمثل هذه التغييرات، في التغييرات الدلالية الكمية، التي طرأت على دلالة هذه الصيغة؛ فهي قليلة في الزمن القديم، وكثيرة في العربية الفصحى المعاصرة.
[1ــ1ــ1]: “ساهم/ أسهم”، في العربية التراثية
يبدأ الدكتور عباس السوسوة دراسته التاريخية التأصيلية لمعنى الصيغة الصرفية (ساهم)، بإيراد أقدم نصٍّ، وردت فيه، بمعنى شارك، قائلًا: “أقدم نصٍّ ورد فيه (ساهم) بمعنى (شارك) ينسب إلى أبي الأسود الدؤلي (ت 69هـ)(7):
أبا ثابتٍ ساهمت في الحزم أهله ** فرأيكَ محمودٌ وعهدكَ دائمُ””.
ويعلق على هذا البيت، بقوله: “فإذن وردت هذه الصيغة التي خًطئت دائمًا في شعر من يحتج بلغته، في حين لم ترد الأخرى التي تفضل عليها”(8). وهو بهذا، أصل لها بأقدم نص وردت فيه عند من يحتج بلغته، مع توثيقٍ لهذا الشاهد وما قيل في نسبته(9).
وقد جاء هذا البيت في المعجم الوسيط منسوبًا إلى زهير بن أبي سلمى(10). ويقول السوسوة، في ذلك، إنه لم يجد هذا البيت في ديوان زهير، ولا في ديوان ابنه كعب(11).
ثم يتتبع مجيء (ساهم) بصيغتي (تساهم)، و(مساهمة). وكلاهما بمعنى المشاركة(12). ومن شواهده، التي أوردها لمجيء (ساهم) بمعنى (شارك)، شاهدان عند التوحيدي (ت 414هـ). الأول منهما: “وأعرتك سمعي، وساهمتك في جميع ما وقرته في أذني بالجزع والتوجع والاستفظاع والتوجع”(13).
كذلك استشهد بنصين للغزالي (ت505هـ). الأول منهما “فمعنى الأخوة المساهمة في السراء والضراء”(14).
كما استشهد، بنصٍ للشاعر الأندلسي ابن خفاجة، إذ تحمل (المساهمة) فيه معنى (المشاركة)، فيقول: “ونجد المساهمة بمعنى المشاركة عند الشاعر الأندلسي ابن خفاجة (ت533هـ) ليس في شعره، بل في مقدمة نثرية كتبها الشاعر لقصيدة جمع فيها بين الرثاء والمدح. إذ يعلل لهذا الجمع قائلًا: “لمَّا كان بين المادح والممدوح اشتراك في معنى الرثاء واشتباك، ولاجتماعهما في خلّة بعض الجلِّة، أفتتحُ الشعر بالرثاء على جهةٍ من المساهمة والتعزية، ثم أردف بالمدح على نحو من التأنيس والتسلية””(15).
وهذا الشاهد نثريٌّ لشاعر، واستشهاد السوسوة بهذه المقدمة النثرية، يفصح عن استقصاءٍ متريث للاستعمال اللغوي غير المتكلف والمحتفظ بسمة الفصاحة المتداولة. وهذا الأمر نفسه، في الشاهد الذي جاء به من مقدمة ابن منظور، فالمقدمة غير المتن؛ لأن المتن خاضعٌ لمنهجٍ تأليفيٍّ تفرضه المادة التي فيه. أما المقدمة، ففيها لغة المؤلف الخاصة به، والممثلة لسلوكه اللغوي الخاص. يقول: “ونجد يساهم المبنية للمجهول في مقدمة (ابن منظور) لكتابه: “فاستخرت الله سبحانه وتعالى في جميع هذا الكتاب المبارك. الذي لا يُساهمَ في فضله ولا يُشارك””(16). وقد استأنس بهذا النص، “مجمع اللغة العربية القاهري”، في إجازة استعمال (ساهم) بمعنى (شارك). وأشار السوسوة إلى ذلك، بقوله: “والمعلوم أن مجمع اللغة العربية في القاهرة قد أجاز استعمال (ساهم) بمعنى شارك مستأنسًا بما ورد في مقدمة (لسان العرب)”(17)، وقد ورد ذلك في المعجم الوسيط: ساهم فيه: شارك(18).
وإذا كان ذلك في لغة التأليف عند ابن منظور؛ فإن ذلك، أيضًا، هو ما وجده في لغة التأليف عند المرتضى الزبيدي، فيقول: “ورغم أن آخر المعاجم الموسوعية لا يورد هذا المعنى في مادة (س هـ م )؛ فإنه يأتي بكلام مصنفه الزبيدي (ت1205هـ) في مادة (عدد): “عادَّهم الشيء: تساهموه بينهم فساواهم. وهم يتعادّون: إذا اشتركوا فيما يعاد فيهم بعضهم بعضًا من مكارم أو غير ذلك من الأشياء””(19).
واستوقف السوسوة ــ في تأصيله التاريخي ــ التفاوت بين الكتاب في استخدام صيغةٍ من الصيغ والإكثار منها من دون غيرها. سواءٌ مع هذه الصيغة، أو مع بعضِ الظواهر اللغوية، التي درسها دراسة لغوية تاريخية. وقد لاحظ مع صيغة “ساهم” كثرة “الصيغ الفعلية والاسمية الدالة على الاشتراك عند ابن خلدون ت (808هـ)”(20). لذلك؛ يورد على ذلك شواهد من “كتاب العبر” لابن خلدون، ومن “مقدمته”. من مثل: “اعلم أن صاحب الدولة إنما يتم أمره ـ كما قلنا ـ بقومه؛ فهم عصابته وظهراؤه (…) ومساهموه في سائر مهماته”(21).
وقد عبر في غير هذا الموضع عن كثرة استخدام كاتبٍ ما لصيغةٍ من الصيغ، من دون غيرها، بأنها ظاهرة أسلوبية. إذ يقول عن كثرة ورود ظاهرة (النسب إلى الجمع) في مؤلفات بعض الكتاب: “ويمكن عد هذه الظاهرة الصرفية ظاهرة أسلوبية عند بعض الكتاب رغم وجودها لدى الجميع دون استثناء، وذلك من جهتين: كثرة ورودها في كل بحثٍ أو مقالة أو كتاب لهم، وتنوع الألفاظ التي تأتي منها، مقارنة بغيرهم”(22).
[1ــ1ــ2]: “ساهم/ أسهم” في العربية الفصحى المعاصرة
بعد شواهد كثيرة من العربية الفصحى التراثية، يصل السوسوة إلى العربية الفصحى المعاصرة، فيشير إلى تطورٍ في الاستعمال المعاصر، حيث يتمثل هذا التطور، في استخدام العربية الفصحى المعاصرة للصيغتين الصرفيتين (أسهم/ ساهم)، بمعنى المشاركة، فيقول: “بعد هذه الرحلة ننظر في العربية المعاصرة فنجد الصيغتين للفعل الماضي: ساهم + أسهم مستخدمتين”(23). ويمثل لهذه الظاهرة من العربية المعاصرة بشواهد، من مثل: “يساهم في هذه الجهود”(24). كما يشير إلى أن العربية الفصحى المعاصرة تستخدم في بعض الأحايين الصيغتين في نصٍ واحد: “قد نجد الكاتب يستخدمهما في نص واحد، مثل: “ساهموا في بلورة الفكر القومي (…) وهو مدين لكل من أسهم برأي”(25).
واستخدام الصيغتين في نص واحد من دون الإحساس بخطأ إحداهما كما يفترضه المصوبون اللغويون، أمرٌ يعاضد رأي السوسوة في أن اللغة الفصحى، هي السلوك اللغوي المتداول بين أفراد الجماعة مع عدم الإحساس بخطأ ما في هذا السلوك.
ويصل في نهاية مطاف دراسته لهذه الظاهرة، إلى تأكيد مقدمةٍ كان قد ابتدأ بها دراسته لتغييرات دلالة هذه الصيغة، والتي تنص على أهمية الدراسة التاريخية الفاحصة لدلالات الصيغ الصرفية وتتبعها في كل العصور وعند كل الكتاب؛ حتى يمكن على ضوء ذلك، الحكم بوجود هذه الدلالة أو عدمه في هذه الصيغة الصرفية أو تلك على بينة واضحة، إذ يقول: “إن تتبع صيغ الأفعال ومعانيها محتاج إلى دراساتٍ تاريخية حتى لا تكون الفتوى بوجود هذه الصيغة أو عدمها ضرباً من الظن السيئ، كما رأيت من خلال ما ذكرناه أن الصيغة التي يفضلها المصححون (أسهم) لا وجود لها، في حين أن (ساهم) موجودة في عربية عصر الاحتجاج وفي عصور العربية جميعاً حتى وقتنا الحاضر”(26).
[1ــ1ــ4]: شواهد لغة الصحافة
المُلاحظ، أن السوسوة في شواهد العربية المعاصرة، اكتفى بشواهد من لغة الصحافة فقط. وهذا ملاحظٌ ــ أيضًا ــ في تناوله ظواهر لغوية أخرى؛ إذ يكتفي بشواهد من لغة الصحافة. ولا يورد شواهد من غير لغة الصحافة، كالتي يوردها ــ أيضًا ــ في تناوله لظواهر لغوية أخرى في كتابه “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”.
وإيراد الشواهد من غير لغة الصحافة ــ خاصةً للظواهر التي تمثل تغييرًا نوعيًّا، أي تكون ظواهر جديدة في العربية المعاصرة غير موجودة في العربية القديمة ــ مهمٌّ، باعتباره تجسيدًا للوجود المتكامل لهذه الظاهرة أو الصيغة في العربية المعاصرة، على وجهٍ من الشمول والإحاطة. ذلك؛ للفرق البسيط، القائم بين لغة الكتب والمؤلفات ولغة الصحافة؛ انطلاقًا من الفارق بين مستويي المتلقين لكلٍّ منهما. ثم إن هناك أمرًا آخر، يزيد من أهمية الاستشهاد بشواهد من غير لغة الصحافة، هو العودة إلى المصادر الأساسية الأولية لهذه الشواهد. ومعروفٌ أن التوثيق هو الطريق إلى هذه المصادر، والسوسوة، لا يوثق شواهده من لغة الصحافة، وقد وضح في القسم الأول من كتابه ذاك (العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية) أن توثيقه لشواهده في الكتاب لا يشمل شواهد لغة الصحف. وسرد أسماء الصحف والمجلات التي أخذ منها هذه الشواهد، فيقول: “إذا وردت الشواهد الحديثة دون إشارة فهذا يعني أنها من الصحف والمجلات العربية دون تسمية، وهي: الأهرام المصرية، والأيام السودانية،…”(27). وهذا يعني أن الشواهد من غير لغة الصحافة موثقة. لذلك؛ يسهل الرجوع إليها في مصادرها الرئيسة. في حين أن الأمر مختلف، بالنسبة إلى شواهد لغة الصحافة غير الموثقة، الذي يحتاج إلى عناء وجهدٍ مضاعف.
[2]: التركيب وصوره
يركز الدكتور عباس السوسوة، في دراسته للظاهرة العربية الصرفية “التركيب وصوره”، على “صورة تركيب كانت قليلة في الفصحى ثم كثرت ألفاظها في الفصحى المعاصرة”(28). ومن هذه الصورة ــ عمومًا ــ الصيغة الصرفية السابقة “ساهم وأسهم”. والثاني: “صور جديدة من تركيب الكلمات لم تكن في الفصحى قبل العصر الحديث”(29).
[2ــ1]: صور التركيب القليلة في الفصحى القديمة
صورة التركيب القليلة فـي الفصحـى القديمة، الكثيرة في العربية المعاصرة، التي يوردها في دراسته لهذه الظاهرة، هي: “(لا + اسم بعدها) يكونان معًا كلمة واحدة تقبل الوقوع في المواقع الإعرابية الثلاثة: الرفع والنصب والجر”(30).
ويبدأ دراسته التاريخية لهذه الصورة، باستعراضٍ لما قيل فيها، فيورد ما قاله سيبويه، وما أتى به من شواهد عليها، قائلًا: “ذكر ذلك إمام النحاة سيبويه ومثل لها بالشعر في حالتي: الجر والرفع. ونستأذن في إيراد أكثر كلامه، فكأنه يتحدث بلساننا…”(31).
كذلك، تستوقفه شواهد لهذه الظاهرة، في كتاب “المحلى”. فيقول: “ثم يأتي نحوي من القرن الرابع الهجري، هو ابن شقير، ليمثل لهذه الظاهرة…”(32).
ويقف ــ أيضًا ــ عند شواهد أخرى، لباحثٍ معاصر، منقولة من عصر الاحتجاج، فيقول: “ومن عصر الاحتجاج ينقل محمد حسن عبد العزيز أن أقدم شواهد الشعر على هذه الظاهرة…(33).
[2ــ1ــ1]: إضافات السوسوة إلى من سبقوه
يجد السوسوة في استعراضه هذه الجهود “ما يثبت قِدَم هذه الصورة من التركيب وإن كانت قليلة بالطبع”(34). ثم يلج ــ بعدئذٍ ــ إلى جهده هو، وإضافاته في دراسته لهذه الصورة، فيورد لها شواهد شعرية ونثرية، من العربية الفصحى القديمة والمعاصرة.
[2ــ1ــ1ــ1]: شواهد شعرية
من الشواهد الشعرية، التي أتى بها السوسوة، ما وجده “في شعر ابن الرومي (283هـ) يهجو خالدًا القحطبي(35):
يا ضد عيسى جاء من لا أب ** وجئتَ أنت من العالمِ”
كذلك، يورد شواهد نثرية لهذه الصورة، وفي بعض منها يرى أن “علماء الكلام والفلسفة والمنطق، وغيرهم، قد أدخلوا أداة التعريف (أل) على مثل هذه الكلمة المركبة، وصاغوا منها مصادر صناعية كثرًا”(36). ومما أورده ــ من تلك الشواهد الفلسفية ــ نصان لابن سينا، من كتابه “البرهان”. الأول منهما: “قد كنا بيَّنا أن المساواة واللامساواة عرضان ذاتيان للعدد”(37).
[2ــ1ــ1ــ2]: شواهد نثرية
ومن الشواهد النثرية التي جاء بها السوسوة على هذه الظاهرة الصرفية، ما تتبعه في اثنين من المعاجم التراثية، هما: “التعريفات” للجرجاني، و”كشاف اصطلاحات الفنون”، للتهانوي. فمن شواهد المعجم الأول، الشاهد: “اللاأدريَّة: هم الذين ينكرون العلم بثبوت شيء ولا ثبوته، ويزعمون أنه شاكٌّ، وشاكّ في أنه شاكّ، وهلمّ جرّ”(38).
ومن شواهد المعجم الثاني، الشاهد: “الأزل (…) هو ماهية تقتضي اللامسبوقية”(39). ويستمر في إيراد شواهده من تراث العربية، حتى يصل إلى شاهدٍ للشدياق (ت1187هـ): هو: “فقلتُ: أتمِّي هذه اللابليّة فإني أراها ترجمة لداهية من دواهي النساء”(40).
والسوسوة بتتبعه لهذه الظاهرة في التراث القديم، يضيف إلى ما أتى به مَن قبله، الذين أشار إليهم؛ إذ تتعدد اقتباساته وتتنوع بين شعرية ونثرية، مع تركيز على لغة الفلاسفة، وأثرها في إدخال (أل) التعريف على هذه الصورة الصرفية. إذ يرصد تأثير فئة ٍاجتماعية، في إحداث تغييرات صرفية في البنية اللغوية.
[2ــ2]: صور التركيب القديمة في الفصحى العربية المعاصرة
حينما يصل الدكتور عباس السوسوة إلى العربية الفصحى المعاصرة، يستشهد لهذه الصورة الصرفية، بشواهد من لغة الصحافة وحدها، من مثل هذا الشاهد: “تعزز الثقة اللامتناهية بين المجتمع وأفراده”(41).
[2ــ3]: صور التركيب الجديدة في العربية الفصحى المعاصرة
وقف السوسوة على صور التركيب الجديدة في العربية الفصحى المعاصرة، التي وجدها متمثّلة في صورٍ خمس جديدة، لا جود لها في الفصحى القديمة، وقد تحدث عنها واستشهد لهذه الصور الخمس بعدد من الشواهد، على النحو الآتي:
1 ـ (اسم معرف + اسم معرف). مثل: حوار الجنوب الجنوب(42).
2 ـ (اسم علم بشري + اسم علم بشري). مثل: مباحثات الحسين مبارك(43).
3 ـ (علم مكاني + علم مكاني أو أكثر). مثل: معركة أرنون ـ الشقيف(44).
4 ـ (نكرة مكانية + نكرة مكانية). مثل: أطلق صاروخ أرض أرض على…(45).
5 ـ (ظرف مكان + اسم معرف). مثل: يتعرضون للأشعة فوق البنفسجية(46).
ومع أن هذه الصور تمثل تغييرًا نوعيًّا؛ إذ لا وجود لها في العربية القديمة، إلا أن شواهدها أتت من لغة الصحافة فقط، ولا شواهد من غير لغة الصحافة هذه.
[3]: التركيب الأوائلي
من الظواهر التي تمثل تغييرًا نوعيًّا في تاريخ الصرف العربي، التي تناولها الدكتور عباس السوسوة، ظاهرة التركيب الأوائلي، و”هذه الطريقة لم تكن للعربية ــ ولا لبقية لغات العالم ــ معرفة بها قبل الحرب العالمية الثانية”(47). وتعني “تركيب لفظة معينة من أوائل حروف كلمات أخرى”(48).
عرفت اللغة العربية هذه الطريقة في العصر الحديث، فكان لها وجودها فيها كغيرها من اللغات الإنسانية. ويعلل الدكتور عباس السوسوة ذلك “بتأثير الترجمة الصحفية والإخبارية”(49). بمعنى أن “كل الكلمات التي في العربية المعاصرة منه إنما هي تعريب لأسماء مؤسسات وهيئات ومنظمات دولية وقارية وعربية ومحلية أحيانًا، مثل: يونسكو، يونسيف، فاو،…”(50).
ويشير إلى حالة فريدة لهذه الطريقة في التراث العربي، “متعلقة بشاعر من القرن الرابع الهجري، هو كشاجم”(51)، فيورد لتفسير هذا اللقب، النص الذي يترجم لهذا الشاعر: “محمد بن الحسين، أبو الفتح الكاتب المعروف بكشاجم، … لقب نفسه (كشاجم). فسئل عن ذلك، فقال: الكاف من كاتب، والشين من شاعر، والألف من أديب، والجيم من جواد، والميم من منجم…”(52). وهناك تفسير آخر لهذا اللقب، غير ما أتى به السوسوة ــ أضافه الدكتور قحطان رشيد صالح في عرضه للكتاب(53) ــ مضمونه أن “الكاف من الكتابة، والشين من الشعر، والألف من الإنشاء، والجيم من الجدل، والميم من المنطق”(54).
ولفرادة هذه الحالة، لم يقل السوسوة إنها أصلٌ للظاهرة المعاصرة؛ إذ ليس هناك في التراث العربي شواهد لهذه الظاهرة، بعد استبعاد أن يكون (النحت) من هذه الطريقة، حيث يستبعد السوسوة ذلك، ويرى أن هناك فرقًا كبيرًا بين النحت وهذه الطريقة، فالنحت أَخْذُ حروفٍ من عدة كلمات من دون نظام، أما هنا فهو منتظم.
[4]: ظاهرة الجمع بإضافة اللاحقة “هات”
من الظواهر الصرفية الجديدة، التي التفت إليها الدكتور عباس السوسوة، “ظاهرة الجمع بإضافة اللاحقة “هات””. وهي من الظواهر، التي ليس لها جذور عربية قديمة. فيشير إليها، معللاً إيّاها، مع التمثيل لها، بقوله: “تخلو اللغة العربية من الأسماء المنتهية بضمة طويلة (واو المد)، ولما نقل العرب المعاصرون ألفاظًا أوروبية تنتهي بالواو، جمعوها بإضافة اللاحقة (هات)، وهذه الظاهرة لم تتعرض لها العربية القديمة. ومن ذلك: فيديو وفيديوهات، استديو واستديوهات…”(55).
وبذلك، فبناء الكلمة في العربية الفصحى المعاصرة، طرأ عليه تغيير نوعي وتغيير كمي، فكثر استعمال بعض ما كان قليل الاستعمال قديمًا. واستحدثت معطيات الحياة صيغًا وأبنية جديدة، أثْرَت اللغة ومكنتها ــ بلا شك ــ من التعبير عن مظاهر الحياة الجديدة، بأبنية وصيغ صرفية جديدة. وهذا هو ما رصده السوسوة، وأضافه إلى المعرفة اللغوية الصرفية العربية.
- عباس علي السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها الترثية”. دار غريب، القاهرة، د.ت، ص: (37). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. ↩︎
- إبراهيم السامرائي، “مع المصادر في اللغة والأدب”. الرشيد، بغداد، 1981م، جـ2/ ص: (70). ↩︎
- عباس السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (38). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه، هامش: (22،21). ↩︎
- ينظر: مجمع اللغة العربية، “المعجم الوسيط”. المكتبة الإسلامية، استانبول ـ تركيا، د.ت، جـ1/ ص: (459). ↩︎
- عباس السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (38)، هامش: (21). ↩︎
- نفسه، ص: (39،38). ↩︎
- نفسه، ص: (39). وانظر: أبو حيان علي بن محمد التوحيدي، ” الإمتاع والمؤانسة “. تحقيق: أحمد أمين وأحمد الزين. لجنة التأليف والترجمة والنشر. القاهرة، 1949ـ1953م، جـ1/ ص: (4). ↩︎
- نفسه. ص: (40). وانظر: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، “إحياء علوم الدين، “. بعناية: بدوي طبانة. ط. مكتبة عيسى الحلبي، القاهرة، 1957م، جـ2/ ص: (178). ↩︎
- نفسه. وانظر: ابن خفاجة، “ديوان ابن خفاجة الأندلسي (أبو إسحاق إبراهيم)”. تحقيق: السيد مصطفى غازي. منشأة المعارف، الإسكندرية،1960م، ص: (302). ↩︎
- نفسه، ص: (41). وانظر: ابن منظور، “لسان العرب”. تحقيق: عبد الله علي الكبير، ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي، ورمضان سيد أحمد. دار المعارف، القاهرة، 1981 ـ 1987م، جـ1/ ص: (102). ↩︎
- نفسه. وانظر: مجمع اللغة العربية، “مجلة مجمع اللغة العربية”. القاهرة، 1953م، جـ7/ ص: (187). ↩︎
- مجمع اللغة العربية، “المعجم الوسيط”. ط. المكتبة الإسلامية، مرجع سابق، جـ1/ ص: (459). ↩︎
- عباس السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (43). وانظر: محمد مرتضى الزبيدي، “تاج العروس وشرح جواهر القاموس”. ط حكومة الكويت، د.ت، جـ8/ ص: (367). ↩︎
- نفسه، ص: (42). ↩︎
- نفسه. وانظر: عبد الرحمن بن خلدون، “المقدمة”. تحقيق: علي عبد الواحد وافي. ط3، دار نهضة مصر، القاهرة، 1979ـ 1981م، ص: (567). ↩︎
- نفسه، ص: (87). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه، ص: (44). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه، ص: (26). ↩︎
- نفسه، ص: (47). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه، ص: (48،47). ↩︎
- نفسه، ص: (48). ↩︎
- نفسه، ص: (49،48). ↩︎
- نفسه، ص: (49). ↩︎
- نفسه. وانظر: ابن الرومي (علي بن العباس بن جريج)، “ديوان بن الرومي”. تحقيق: حسين نصار. دار الكتب المصرية، القاهرة، 1970 ــ 1975م، جـ6/ ص: (2392). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه، ص: (50) وانظر: ابن سيناء، “البرهان من كتاب الشفاء”. تحقيق: عبد الرحمن بدوي. دار النهضة العربية، القاهرة، 1966م، ص: (87). ↩︎
- عباس السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (50). وانظر: الشريف الجرجاني (علي بن محمد)، “التعريفات”. الشؤون الثقافية، بغداد، 1987م، ص: (107). ↩︎
- عباس علي السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (51). وانظر: التهانوي (محمد علي الفاروقي)، “كشاف اصطلاحات الفنون”. تحقيق: لطفي عبد البديع، وعبد النعيم حسنين. المؤسسة المصرية للتأليف، القاهرة، 1963ـ1971م، جـ1/ ص: (122). ↩︎
- نفسه. وانظر: أحمد فارس الشدياق، “الساق على الساق فيما هو الفارياق”. ط4، مكتبة الحياة، بيروت، 1973م، ص: (533). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه، ص: (52). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه، ص: (57). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه، ص: (58). ↩︎
- نفسه. ↩︎
- نفسه. وانظر: محمد شاكر الكتبي، “فوات الوفيات والذيل عليها”. تحقيق: إحسان عباس. دار صادر، بيروت، 1974م، جـ4/ ص: (99). ↩︎
- قحطان رشيد صالح، “قراءة وعرض في التواصل اللغوي”. صحيفة الثقافية، تعز، العدد: ( 147)، 9 ربيع ثاني 1423هـ ــ 20 يونيو 2002م، ص: (20). ↩︎
- كشاجم (محمود بن الحسين أبو الفتح)، “ديوان كشاجم”. دار صادر، بيروت، 1997م، ص: (8). ↩︎
- عباس السوسوة، “العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية”. مرجع سابق، ص: (71). ↩︎